الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } * { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }

{ يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ } استئنافٌ مبـيِّنٌ لعِظم الخُسرانِ أي يعبد مُتجاوزاً عبادةَ الله تعالى { مَا لاَ يَضُرُّهُ } إذا لم يعبدْهُ { وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } إنْ عبدَهُ أي جماداً ليسَ من شأنِه النَّفعُ كما يُلوِّحُ به تكريرُ كلمةِ ما { ذٰلِكَ } الدُّعاءُ { هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } عن الحقِّ والهُدى مستعارٌ من ضلالِ مَن أبعدَ في التَّيهِ ضالاًّ عن الطَّريقِ { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } استئنافٌ مسوق لبـيانِ مآلِ دُعائِه المذكورِ وتقريرِ كونِه ضلالاً بعيداً مع إزاحةِ ما عسى يُتوَّهم من نفيِ الضَّررِ عن معبودِه بطريقِ المباشرةِ نفيه عنه بطريق التَّسبـيبِ أيضاً فالدُّعاءُ بمعنى القول واللاَّمُ داخلةٌ على الجملة الواقعةِ مقولاً له ومَن مبتدأٌ وضرُّه مبتدأٌ ثانٍ خبرُه أقربُ والجملة صلة للمبتدأ الأوَّلِ وقوله تعالى: { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } جوابٌ لقسم مقدَّرٍ هو جوابه خبرٌ للمبتدأ الأولِ، وإيثارُ مَن على مَا مع كون معبودِه جماداً وإيرادُ صيغة التَّفضيل مع خلوِّه عن النَّفع بالمرَّةِ للمبالغة في تقبـيح حاله والإمعانِ في ذمِّه أي يقول ذلك الكافرُ يوم القيامةِ بدعاء وصُراخٍ حين يرى تضرُّرَه بمعبوده ودخولَه النَّارَ بسببه ولا يرى منه أثرَ النَّفعِ أصلاً لمن ضرُّه أقربُ من نفعِه، والله لبئسَ النَّاصرُ هو ولبئسَ الصَّاحبُ هو فكيف بما هو ضررٌ محضٌ عارٍ عن النَّفعِ بالكلِّيةِ، ويجوزُ أن يكون يدعُو الثَّاني إعادةً للأولِ لا تأكيداً له فقط بل وتمهيداً لما بعده من بـيانِ سوءِ حالِ معبودِه إثرَ بـيانِ سوءِ حال عبادتِه بقوله تعالى: { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } كأنَّه قيل من جهته تعالى بعد ذكر عبادتِه لما لا يضرُّه ولا ينفعُه يدعو ذلك ثم قيلَ لمَن ضُرُّه أقربُ من نفعِه: والله لبئسَ المَوْلى ولبئس العَشيرُ، فكلمة مَن وصيغةُ التَّفضيلِ للتهكُّمِ به وقيل: اللاَّمُ زائدةٌ ومَنْ مفعول يدعُو، ويؤيِّدُه القراءةُ بغير لامٍ أي يعبد من ضره أقربُ من نفعه وإيراد كلمةِ مَن وصيغة التَّفضيلِ تهكُّمٌ به أيضاً والجملة القسميةُ مستأنفة.

{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَـٰتٍ } استئنافٌ جيء به لبـيان كمال حسنِ حالِ المؤمنينَ العابدينَ له تعالى وأنَّ الله عزَّ وجلَّ يتفضَّل عليهم بما لا غايةَ وراءه من أجلِّ المنافعِ وأعظمِ الخيراتِ إثرَ بـيانِ غايةِ سوءِ حالِ الكفرةِ ومآلِهم من فريقَيْ المجاهرينَ والمذبذبـينَ وأنَّ معبودَهم لا يُجديهم شيئاً من النَّفع بل يضرُّهم مضرَّةً عظيمةً وأنَّهم يعترفون بسوءِ ولايتِه وعشرتِه ويذمُّونه مذمَّةً تامَّةً وقوله تعالى: { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } صفة لجنَّاتٍ فإن أُريد بها الأشجارُ المتكاثفةُ السَّاترةُ لما تحتها فجريانُ الأنهارِ من تحتها ظاهرٌ، وإنْ أُريد بها الأرضُ فلا بُدَّ من تقدير مضافٍ أي من تحت أشجارِها، وإن جُعلت عبارةً عن مجموعِ الأرضِ والأشجارِ فاعتبارُ التَّحتيَّةِ بالنَّظرِ إلى الجزءِ الظَّاهرِ المصحِّح لإطلاقِ اسمِ الجنَّةِ على الكلِّ كما مرَّ تفصيلُه في أوائلِ سورةِ البقرةِ.

السابقالتالي
2