الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } * { وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ }

{ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } أي دعاءَه الذي دعاه في ضمن الاعترافِ بالذنب على ألطف وجهٍ وأحسنه. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مكروبٍ يدعو بهذا الدعاء إلا استُجيب له " { وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْغَمّ } بأن قذفه الحوتُ إلى الساحل بعد أربع ساعاتٍ كان فيها في بطنه، وقيل: بعد ثلاثة أيام، وقيل: الغمُّ غمُّ الالتقام، وقيل: الخطيئة { وَكَذٰلِكَ } أي مثلَ ذلك الإنجاءِ الكامل { نُنجِـى ٱلْمُؤْمِنِينَ } من غمومٍ دَعَوُا الله تعالى فيها بالإخلاص لا إنجاءً أدنى منه، وفي الإمام نجّى فلذلك أخفى الجماعةُ النون الثانية فإنها تُخفىٰ مع حروف الفم، وقرىء بتشديد الجيم على أن أصله نُنجّي فحذفت الثانية كما حذفت التاء في تَظاهرون وهي وإن كانت فاءً فحذفُها أوقعُ من حذف حرفِ المضارَعة التي لِمعنًى، ولا يقدح فيه اختلافُ حركتي النونين فإن الداعيَ إلى الحذف اجتماعُ المِثلين مع تعذّر الإدغام وامتناعُ الحذفِ في (تتجافى) لخوف اللَّبس، وقيل: هو ماضٍ مجهولٌ أسند إلى ضمير المصدر وسُكّن آخره تخفيفاً ورُدّ بأنه لا يسند إلى المصدر والمفعول مذكور، والماضي لا يسكن آخرُه.

{ وَزَكَرِيَّا } أي واذكر خبره { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } وقال: { رَبّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً } أي وحيداً بلا ولدٍ يرثني { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوٰرِثِينَ } فحسبـي أنت إن لم ترزُقني وارثاً { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } أي دعاءَه { وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ } وقد مر بـيانُ كيفية الاستجابة والهبة في سورة مريم { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } أي أصلحناها للولادة بعد عُقْرها أو أصلحناها للمعاشرة بتحسين خلقِها وكانت حَرِدةً، وقوله تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ } تعليل لما فصل من فنون إحسانِه تعالى المتعلقة بالأنبـياء المذكورين، أي كانوا يبادرون في وجوه الخيراتِ مع ثباتهم واستقرارهم في أصل الخير وهو السرُّ في إيثار كلمة (في) على كلمة إلى المُشعرة بخلاف المقصودِ من كونهم خارجين عن أصل الخيراتِ متوجهين إليها كما في قوله تعالى:وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ } [آل عمران: 133] { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } ذوي رغَبٍ ورهَب أو راغبـين في الثواب راجين للإجابة أو في الطاعة وخائفين العقاب أو المعصية أو للرغب والرهب { وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ } أي مُخْبتين متضرعين أو دائمي الوجَل، والمعنى أنهم نالوا من الله تعالى ما نالوا بسبب اتصافِهم بهذه الخصال الحميدة.

{ وَٱلَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } أي اذكر خبرَ التي أحصنتْه على الإطلاق من الحلال والحرام، والتعبـيرُ عنها بالموصول لتفخيم شأنِها وتنزيهها عما زعموه في حقها آثرَ ذي أثيرٍ { فَنَفَخْنَا فِيهَا } أي أحيـينا عيسى في جوفها { مِن رُّوحِنَا } من الروح الذي هو من أمرنا، وقيل: فعلنا النفخَ فيها من جهة روحنا جبريلَ عليه السلام { وَجَعَلْنَـٰهَا وَٱبْنَهَا } أي قصتهما أو حالهما { ءَايَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } فإن مَنْ تأمل حالهما تحقق كمالَ قدرتِه عز وجل، فالمرادُ بالآية ما حصل بهما من الآية التامةِ مع تكاثر آياتِ كلِّ واحد منهما، وقيل: أريد بالآية الجنسُ الشاملُ لما لكل واحدٍ منهما من الآيات المستقلة، وقيل: المعنى وجعلناها آيةً وابنها آيةً فحذفت الأولى لدِلالة الثانية عليها.