الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ } أي واذكرهم، وذو الكِفل إلياسُ، وقيل: يوشعُ بنُ نون، وقيل: زكريا سُمّي به لأنه كان ذا حظ من الله تعالى أو تكفُّلٍ منه، أو ضعفِ عمل أنبـياءِ زمانه وثوابِه فإن الكفلَ يجيء بمعنى النصيب والكفالة والضِعْف { كُلٌّ } أي كل واحد من هؤلاء { مّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } أي على مشاقّ التكاليف وشدائدِ النُّوَب، والجملةُ استئنافٌ وقع جواباً عن سؤال نشأ من الأمر بذكرهم.

{ وَأَدْخَلْنَـٰهُمْ فِى رَحْمَتِنَا } أي في النبوة أو في نعمة الآخرة { إِنَّهُمْ مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } أي الكاملين في الصلاح الكاملِ الذي لا يحوم حوله شائبةُ الفساد وهم الأنبـياءُ، فإن صلاحَهم معصومٌ من كَدَر الفساد.

{ وَذَا ٱلنُّونِ } أي واذكر صاحب الحوت وهو يونسُ عليه السلام { إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِباً } أي مراغِماً لقومه لمّا برِمَ من طول دعوته إياهم وشدةِ شكيمتهم وتمادي إصرارِهم مهاجراً عنهم قبل أن يؤمر، وقيل: وعدَهم بالعذاب فلم يأتِهم لميعادهم بتوبتهم ولم بعرف الحال فظن أنه كذّبهم فغضِب من ذلك، وهو من بناء المغالبة للمبالغة أو لأنه أغضبهم بالمهاجَرة لخوفهم لحوقَ العذاب عندها وقرىء مُغضَباً { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } أي لن نضيّقَ عليه أو لن نقضيَ عليه بالعقوبة من القدر، ويؤيده أنه قرىء مشدداً أو لن نُعمِل فيه قدرتَنا، وقيل: هو تمثيلٌ لحاله بحال مَنْ يظن أن لن نقدر عليه أي نعامله معاملةَ من يظن أن لن نقدر عليه في مراغمته قومَه من غير انتظار لأمرنا كما في قوله تعالى:يَحْسَبُ أَن مَالَهُ أَخْلَدَهُ } [الهمزة: 3] أي نعامله معاملةَ من يحسَب ذلك، وقيل: خطرةٌ شيطانية سبقت إلى وهمه فسُمّيت ظنًّا للمبالغة، وقرىء بالياء مخففاً ومثقلاً مبنياً للمفعول { فَنَادَىٰ } الفاءُ فصيحة أي فكان ما كان من المساهمة والتقامِ الحوت فنادى { فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ } أي في الظلمة الشديدةِ المتكاثفة أو في ظلمات بطنِ الحوتِ والبحرِ والليل، وقيل: ابتلع حوتَه حوتٌ أكبرُ منه فحصل في ظلمتي بطني الحوتين وظلمتي البحر والليل { أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ } أي بأنه لا إلٰهَ إلا أنت على أنّ أنْ مخففةٌ من أنّ وضميرُ الشأن محذوف، أو أي لا إلٰه إلا أنت على أنها مفسّرة { سُبْحَـٰنَكَ } أنزهك تنزيهاً لائقاً بك من أن يُعجزك شيءٌ أو أن يكون ابتلائي بهذا بغير سبب من جهتي { إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } لأنفسهم بتعريضها للهلكة حيث بادرت إلى المهاجرة.