الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ }

{ وَلُوطاً } قيل: هو منصوبٌ بمضمر يفسّره قوله تعالى: { ءاتَيْنَـٰهُ } أي وآتينا لوطاً، وقيل: باذكُرْ { حُكْمًا } أي حكمةً أو نبوة أو فصلاً بـين الخصوم بالحق { وَعِلْماً } بما ينبغي علمُه للأنبـياء عليهم السلام { وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِى كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَـٰئِثَ } أي اللّواطةَ، وُصفت بصفة أهلها وأُسندت إليها على حذف المضاف وإقامتها مُقامه كما يُؤذِن به قوله تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فَـٰسِقِينَ } فإنه كالتعليل له.

{ وَأَدْخَلْنَـٰهُ فِى رَحْمَتِنَا } أي في أهل رحمتِنا أو في جنتنا { إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } الذين سبقت لهم منا الحسنى.

{ وَنُوحاً } أي اذكر نوحاً أي خبرَه وقوله تعالى: { إِذْ نَادَىٰ } أى دعا الله تعالى على قومه بالهلاك، ظرف للمضاف أي اذكر نبأَه الواقعَ وقت دعائه { مِن قَبْلُ } أي من قبل هؤلاء المذكورين { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } أي دعاءَه الذي من جملته قولُه: إني مغلوبٌ فانتصر { فَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } وهو الطوفانُ، وقيل: أذيّةُ قومِه وأصلُ الكرب الغمُّ الشديد.

{ وَنَصَرْنَـٰهُ } نصراً مستتبِعاً للانتقام والانتصار ولذلك قيل: { مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } وحملُه على فانتصر يأباه ما ذكر من دعائه عليه السلام فإن ظاهرَه يوجب إسنادَ الانتصارِ إليه تعالى مع ما فيه من تهويل الأمر وقوله تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء } تعليلٌ لما قبله وتمهيد لما قبله وتمهيد لما بعده من قوله تعالى: { فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ } فإن الإصرارَ على تكذيب الحقِّ والانهماكَ في الشر والفساد مما يوجب الإهلاكَ قطعاً.

{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ } إما عطفٌ على نوحاً معمولٌ لعامله وإما لمضمر معطوفٍ على ذلك العامل بتقدير المضاف وقوله تعالى: { إِذْ يَحْكُمَانِ } ظرفٌ للمضاف المقدر وصيغةُ المضارع حكايةٌ للحال الماضيةِ لاستحضار صورتِها، أي اذكر خبرَهما وقت حُكمِهما { فِى ٱلْحَرْثِ } أي في حق الزرعِ أو الكرم المتدلّي عناقيدُه كما قيل، أو بدلُ اشتمال منهما وقوله تعالى: { إِذْ نَفَشَتْ } أي تفرّقت وانتشرت { فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } ليلاً بلا راعٍ فرَعَتْه وأفسدتْه ظرفٌ للحكم { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ } أي لحُكم الحاكمين والمتحاكمين إليهما، فإن الإضافةَ لمجرد الاختصاص المنتظمِ لاختصاص القيامِ واختصاصِ الوقوع، وقرىء لحكمهما { شَـٰهِدِينَ } حاضرين علماً والجملةُ اعتراضٌ مقرِّرٌ للحكم ومفيدٌ لمزيد الاعتناءِ بشأنه.