الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

{ وَجَعَلْنَا فِى ٱلأَرْضِ رَوَاسِىَ } أي جبالاً ثوابتَ جمعُ راسية من رسا الشيءُ إذا ثبت ورسَخ، ووصفُ جمعِ المذكر بجمع المؤنثِ في غير العقلاءِ مما لا ريب في صحته كقوله تعالى:أَشْهُرٌ مَّعْلُومَـٰتٌ } [البقرة: 197] وأَيَّامًا مَّعْدُودٰتٍ } [البقرة: 184] { أَن تَمِيدَ بِهِمْ } أي كراهةَ أن تتحرك وتضطربَ بهم أو لئلا تميدَ بهم بحذف اللام ولا، لعدم الإلباس { وَجَعَلْنَا فِيهَا } أي في الأرض وتكريرُ الفعل لاختلاف المجعولين ولتوفية مقام الامتنان حقَّه أو في الرواسي لأنها المحتاجةُ إلى الطرق { فِجَاجاً } مسالكَ واسعةً وإنما قدم على قوله تعالى: { سُبُلاً } وهى وصفٌ له ليصير حالاً فيفيد أنه تعالى حين خلقها خلقَها كذلك، أو ليبدل منها سبلاً فيدل ضمناً على أنه تعالى خلقها ووسّعها للسابلة مع ما فيه من التوكيد { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } أي إلى مصالحهم ومَهمّاتهم.

{ وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً } من الوقوع بقدرتنا القاهرةِ أو من الفساد والانحلال إلى الوقت المعلوم بمشيئتنا أو من استراق السمعِ بالشُهُب { وَهُمْ عَنْ ءايَـٰتِهَا } الدالةِ على وحدانيته تعالى وعلمِه وحكمتِه وقدرتِه وإرادتِه التي بعضُها محسوسٌ وبعضُها معلومٌ بالبحث عنه في علمَي الطبـيعة والهيئة { مُّعْرِضُونَ } لا يتدبرون فيها فيبقَون على ما هم عليه من الكفر والضلال.

وقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَـٰرَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } اللذين هما آيتاهما بـيانٌ لبعض تلك الآياتِ التي هم عنها معرضون بطريق الالتفاتِ الموجب لتأكيد الاعتناءِ بفحوى الكلام، أي هو الذي خلقهن وحده { كُلٌّ } أي كلُّ واحد منهما على أن التنوينَ عوضٌ عن المضاف إليه { فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } أي يجْرون في سطح الفلك كالسبْح في الماء، والمرادُ بالفَلَك الجنسُ كقولك: كساهم الخليفةُ حُلّةً، والجملة حالٌ من الشمس والقمر وجاز انفرادُهما بها لعدم اللَّبْس، والضميرُ لهما والجمعُ باعتبار المطالعِ، وجُعل الضميرُ واوَ العقلاء لأن السباحة حالُهم.