الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } * { قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } * { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي }

{ قَالُواْ } في جواب هارون عليه الصلاة والسلام { لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ } على العجل وعبادته { عَـٰكِفِينَ } مقيمين { حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } جعلوا رجوعَه عليه السلام إليهم غايةً لعُكوفهم على عبادة العجلِ لكن لا على طريق الوعدِ بتركها عند رجوعِه عليه السلام بل بطريق التعلل والتسويفِ، وقد دسوا تحت ذلك أنه عليه السلام لا يرجِع بشيء مبـين تعويلاً على مقالة السامريّ. روي أنهم لما قالوه اعتزلهم هارونُ عليه السلام في اثني عشر ألفاً وهم الذين لم يعبدوا العجل، فلما رجع موسى عليه السلام وسمع الصياحَ وكانوا يرقُصون حول العجل قال للسبعين الذين كانوا معه: هذا صوتُ الفتنة فقال لهم ما قال وسمع منهم ما قالوا.

وقوله تعالى: { قَالَ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من حكاية جوابهم لهارون عليه السلام، كأنه قيل: فماذا قال موسى لهارون عليهما السلام حين سمع جوابهم له؟ وهل رضيَ بسكوته بعد ما شاهد منهم ما شاهد؟ فقيل: قال له وهو مغتاظٌ قد أخذ بلحيته ورأسه: { قَالَ يٰهَـٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ } بعبادة العجل وبلغوا من المكابرة إلى أن شافهوك بتلك المقالةِ الشنعاء { أَن لا تَتَّبِعَنِ } أي أن تتّبعَني، على أن لا مزيدةٌ وهو مفعولٌ ثانٍ لمنع وهو عامل في إذ، أيْ أيُّ شيءٍ منعك حين رؤيتِك لضلالهم من أن لا تتبعني في الغضب لله تعالى والمقاتلة مع من كفر به، وقيل: المعنى ما حملك على أن تتبعني، فإن المنع عن الشيء مستلزمٌ للحمل على مقابله، وقيل: ما منعك أن تلحقَني وتُخبرَني بضلالهم فتكونَ مفارقتُك مزْجرةً لهم، وفيه أن نصائحَ هارونَ عليه السلام حيث لم تزجُرْهم عما كانوا عليه فلأن لا تزجُرَهم مفارقتُه إياهم عنه أولى، والاعتذارُ بأنهم إذا علموا أنه يلحقه ويخبره بالقصة يخافون رجوعَ موسى عليه السلام فينزجروا عن ذلك بمعزل من حيز القبول، كيف لا وهم قد صرحوا بأنهم عاكفون عليه إلى رجوعه عليه السلام { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى } أي بالصلابة في الدين والمحاماةِ عليه فإن قوله له عليهما السلام: اخلُفني متضمنٌ للأمر بهما حتماً، فإن الخلافةَ لا تتحقق إلا بمباشرة الخليفة ما كان يباشره المستخلِفُ لو كان حاضراً، والهمزة للإنكار التوبـيخي والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام، أي ألم تتبعني أو خالفتني فعصيت أمري.