الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } * { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ }

قوله تعالى: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } سواء كان ذلك بالجزئية منهما أو بالحلولِ فيهما { وَمَا بَيْنَهُمَا } من الموجودات الكائنة في الجو دائماً كالهواء والسحاب أو أكثرياً كالطير، أي له وحده دون غيرِه لا شِرْكةً ولا استقلالاً كلُّ ما ذكر مُلكاً وتصرفاً وإحياءً وإماتةً وإيجاداً وإعداماً { وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } أي ما وراءَ التراب، وذكرُه مع دخوله تحت ما في الأرض لزيادة التقريرِ، روي عن محمد بن كعب أنه ما تحت الأرضينَ السبعِ، وعن السدّي أن الثرى هو الصخرةُ التي عليها الأرضُ السابعة.

{ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ } بـيانٌ لإحاطة علمِه تعالى بجميع الأشياء إثرَ بـيانِ سعةِ سلطنتِه وشمولِ قدرتِه لجميع الكائنات، أي وإن تجهَرْ بذكره تعالى ودعائِه فاعلم أنه تعالى غنيٌّ عن جهرك { فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسّرَّ وَأَخْفَى } أي ما أسرَرْته إلى غيرك وشيئاً أخفى من ذلك وهو ما أخطَرْته ببالك من غير أن تتفوّه به أصلاً، أو ما أسرَرْتَه لنفسك وأخفىٰ منه وهو ما ستُسِرُّه فيما سيأتي، وتنكيرُه للمبالغة في الخفاء، وهذا إما نهيٌ عن الجهر كقوله تعالى:وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } [الأعراف: 205] وإما ارشادٌ للعباد إلى أن الجهرَ ليس لإسماعه سبحانه بل لغرض آخرَ من تصوير النفسِ بالذكر، وتثبـيتِه فيها، ومنْعِها من الاشتغال بغيره، وقطعِ الوسوسةِ عنها، وهضمِها بالتضرّع والجُؤار وقوله تعالى: { ٱللَّهِ } خبرُ مبتدأ محذوفٍ، والجملةُ استئنافٌ مَسوقٌ لبـيان أن ما ذُكر من صفات الكمالِ موصوفُها ذلك المعبودُ بالحق، أي ذلك المنعوتُ بما ذكر من النعوت الجليلةِ الله عز وجل وقوله تعالى: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } تحقيقٌ للحق وتصريحٌ بما تضمّنه ما قبله من اختصاص الألوهيةِ به سبحانه، فإن ما أُسند إليه تعالى من خلق جميعِ الموجوداتِ والرحمانيةِ والمالكيةِ للكل والعلمِ الشاملِ مما يقتضيه اقتضاءً بـيناً، وقوله تعالى: { لَهُ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } بـيانٌ لكون ما ذكرَ من الخالقية والرحمانيةِ والمالكيةِ والعالَمية أسماءَه وصفاتِه من غير تعددٍ في ذاته تعالى، فإنه روي أن المشركين حين سمعوا النبـيَّ عليه الصلاة والسلام يقول: " يا ألله يا رحمٰنُ " قالوا: ينهانا أن نعبُدَ إلٰهينِ وهو يدعو إلٰهاً آخرَ. والحُسنى تأنيثُ الأحسن يوصف به الواحدةُ المؤنثةُ والجمعُ من المذكر والمؤنث كمآربُ أخرى، وآياتِنا الكبرى.