الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } * { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ }

{ فَتَنَـٰزَعُواْ } أي السحرةُ حين سمعوا كلامَه عليه الصلاة والسلام كأن ذلك غاظهم فتنازعوا { أَمَرَهُمْ } الذي أريد منهم مِنْ مغالبته عليه الصلاة والسلام وتشاوروا وتناظروا { بَيْنَهُمْ } في كيفية المعارضةِ وتجاذبوا أهدابَ القول في ذلك { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } أي من موسى عليه الصلاة والسلام لئلا يقِفَ عليه فيدافعَه وكان نجواهم ما نطَق به قوله تعالى: { قَالُواْ } أي بطريق التناجي والإسرار:

{ إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ } الخ، فإنه تفسيرٌ له ونتيجةٌ لتنازعهم وخلاصةُ ما استقرت عليه آراؤُهم بعد التناظرِ والتشاور، وإنْ مخففةٌ من إنّ قد أهملت عن العمل واللامُ فارقةٌ، وقرىء بتشديد نون هذان، وقيل: هي نافيةٌ واللامُ بمعنى إلا أي ما هذان إلا ساحران، وقرىء إنّ بالتشديد وهذان اسمُها على لغة بلحارث بن كعب فإنهم يُعربون التثنيةَ تقديراً، وقيل: اسمُها ضميرُ الشأن المحذوفُ وهذان لساحران خبرُها، وقيل: إن بمعنى نعم وما بعدها جملةٌ من مبتدأ وخبر وفيهما أن اللامَ لا تدخُل خبرَ المبتدأ، وقيل: أصله إنه هذان لهما ساحران فخذف الضمير وفيه أن المؤكدَ باللام لا يليق به الحذفُ، وقرىء إن هذين لساحران وهي قراءةٌ واضحة { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ } أي أرض مصرَ بالاستيلاء عليها { بِسِحْرِهِمَا } الذي أظهراه من قبل { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } أي بمذهبكم الذي هو أفضلُ المذاهب وأمثلُها بإظهار مذهبهما وإعلاءِ دينهما يريدون به ما كان عليه قومُ فرعون لا طريقةَ السحر فإنهم ما كانوا يعتقدونه ديناً، وقيل: أرادوا أهلَ طريقتكم وهم بنو إسرائيلَ لقول موسى عليه الصلاة والسلام: أرسل معنا بني إسرائيلَ وكانوا أربابَ علمٍ فيما بـينهم، ويأباه أن إخراجَهم من أرضهم إنما يكون بالاستيلاء عليها تمكناً وتصرفاً فكيف يتصور حينئذ نقلُ بني إسرائيلَ إلى الشام؟ وحملُ الإخراج على إخراج بني إسرائيلَ منها مع بقاء قومِ فرعون على حالهم مما يجب تنزيهُ التنزيلِ عن أمثاله على أن هذه المقالةَ منهم للإغراء بالمبالغة في المغالبة والاهتمامِ بالمناصبة فلا بد أن يكون الإنذارُ والتحذيرُ بأشد المكاره وأشقِّها عليهم، ولا ريب في أن إخراجَ بني إسرائيلَ من بـينهم والذهابَ بهم إلى الشام وهو آمنون في ديارهم ليس فيه كثيرُ محذورٍ، وقيل: الطريقةُ اسمٌ لوجوه القوم وأشرافِهم لما أنهم قُدوةٌ لغيرهم ولا يخفى أن تخصيصَ الإذهاب بهم مما لا مزيةَ فيه.