الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } * { فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } * { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } * { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ }

قوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ } شروعٌ في بـيان المعهودِ وكيفيةِ ظهور نسيانِه وفُقدانِ عزمِه، وإذ منصوبٌ على المفعولية بمضمر خوطب به النبـيُّ عليه الصلاة والسلام، أي واذكر وقتَ قولِنا لهم، وتعليقُ الذكر بالوقت مع أن المقصودَ تذكيرُ ما وقع فيه من الحوادث لما مر مراراً من المبالغة في إيجاب ذكرِها فإن الوقتَ مشتملٌ على تفاصيل الأمورِ الواقعةِ فيه، فالأمرُ بذكره أمرٌ بذكر تفاصيلِ ما وقع فيه بالطريق البرهانيِّ، ولأن الوقتَ مشتملٌ على أعيان الحوادثِ فإذا ذكر صارت الحوادثُ كأنها موجودةٌ في ذهن المخاطَبِ بوجود ذاتها العينيةِ، أي اذكر ما وقع في ذلك الوقتِ منا ومنه حتى يتبـينَ نسيانُه وفقدانُ عزمِه { فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } قد سبق الكلامُ فيه مراراً { أَبَىٰ } جملةٌ مستأنفةٌ وقعت جواباً عن سؤال نشأ عن الإخبار بعدم سجودِه، كأنه قيل: ما بالُه لم يسجُدْ؟ فقيل: أبىٰ واستكبر، ومفعول أبىٰ إما محذوفٌ أي أبىٰ السجودَ كما في قوله تعالى:أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ } [الحجر: 31] أو غيرُ مَنْويَ رأساً بتنزيله منزلةَ اللام أي فعل الإباءَ وأظهره { فَقُلْنَا } عَقيبَ ذلك اعتناءً بنُصحه { يَاءَادَم إِنَّ هَـٰذا } الذي رأيتَ ما فعل { عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا } أي لا يكونَنّ سبباً لإخراجكما { مِنَ ٱلْجَنَّةِ } والمرادُ نهيُهما عن أن يكونا بحيث يتسبب الشيطانُ إلى إخراجهما منها بالطريق البرهاني، كما في قولك: لا أُرَينّك هٰهنا، والفاءُ لترتيب موجبِ النهي على عداوته لهما أو على الإخبار بها { فَتَشْقَىٰ } جوابٌ للنهي، وإسنادُ الشقاء إليه خاصةً بعد تعليقِ الإخراجِ الموجبِ له بهما معاً لأصالته في الأمور واستلزامِ شقائِه لشقائها مع ما فيه من مراعاة الفواصل، وقيل: المرادُ بالشقاء التعبُ في تحصيل مبادىء المعاشِ وذلك من وظائف الرجال.

{ إِنَّ لَكَ أَن لا تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } تعليلٌ لما يوجبه النهيُ فإن اجتماعَ أسبابِ الراحة فيها مما يوجب المبالغةَ في الاهتمام بتحصيل مبادىء البقاءِ فيها، والجِدّ في الانتهاء عما يؤدّي إلى الخروج عنها. والعدلُ عن التصريح بأن له عليه السلام فيها تنعّماً بفنون النعم من المآكل والمشاربِ وتمتعاً بأصناف الملابسِ البهية والمساكنِ المرْضيةِ ـ مع أن فيه من الترغيب في البقاء فيها ما لا يخفى ـ إلى ما ذكر من نفْي نقائِضها التي هي الجوعُ والعطشُ والعُرْي والضُحِيّ لتذكير تلك الأمورِ المنْكرة، والتنبـيهِ على ما فيها من أنواع الشِّقوةِ التي حذّره عنها ليبالغَ في التحامي عن السبب المؤدي إليها، على أن الترغيبَ قد حصل بما سوّغ له من التمتع بجميع ما فيها سوى ما استثني من الشجرة حسبما نطق به قوله تعالى:وَقُلْنَا يَاءادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا }

السابقالتالي
2