الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } * { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } * { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } * { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً }

{ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } وهو مدةُ لبثهم { إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي أعدلُهم رأياً أو عملاً { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } ونسبةُ هذا القولِ إلى أمثلهم استرجاحٌ منه تعالى له لكن لا لكونه أقربَ إلى الصدق بل لكونه أدلَّ على شدة الهول.

{ وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } أي عن مآل أمرِها وقد سأل عنه رجل من ثقيف، وقيل: مشركو مكةَ على طريق الاستهزاء { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفاً } أي يجعلها كالرمل ثم يُرسل عليها الرياحَ فتُفرّقها والفاء للمسارعة إلى إلزام السائلين { فَيَذَرُهَا } الضميرُ إما للجبال باعتبار أجزائِها السافلةِ الباقيةِ بعد النسفِ وهي مقارُّها ومراكزُها، أي فيذر ما انبسط منها وساوى سطحُه سطوحَ سائرِ أجزاءِ الأرض بعد نسفِ ما نتَأ منها ونشَز، وإما للأرض المدلول عليها بقرينة الحالِ لأنها الباقيةُ بعد نسفِ الجبال، وعلى التقديرين يذر الكلَّ { قَاعاً صَفْصَفاً } لأن الجبالَ إذا سُوّيت وجُعل سطحُها مساوياً لسطوح سائر أجزاءِ الأرض فقد جُعل الكلُّ سطحاً واحداً، والقاعُ قيل: السهلُ، وقيل: المنكشفُ من الأرض، وقيل: المستوى الصُّلْبُ منها، وقيل: ما لا نباتَ فيه ولا بناء، والصفْصفُ الأرضُ المستويةُ الملساءُ كأن أجزاءَه صفٌّ واحد من كل جهة، وانتصابُ قاعاً على الحالية من الضمير المنصوبِ أو هو مفعولٌ ثانٍ ليذر على تضمين معنى التصيـيرِ وصفصفاً إما حالٌ ثانية أو بدلٌ من المفعول الثاني وقوله تعالى: { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا } أي في مقارّ الجبال أو في الأرض على ما مر من التفصيل { عِوَجَا } بكسر العين أي اعوجاجاً ما، كأنه لغاية خفائِه من قبـيل ما في المعاني أي لا تدركه إن تأملْتَ بالمقايـيس الهندسية { وَلا أَمْتاً } أي نتُوءاً يسيراً استئنافٌ مبـينٌ لكيفية ما سبق من القاع الصفْصَف أو حالٌ أخرى أو صفة لقاعاً، والخطابُ لكل أحدٍ ممن تتأتى منه الرؤيةُ، وتقديمُ الجارّ والمجرور على المفعول الصريحِ لما مر مراراً من الاهتمام بالمقدم والتشويقِ إلى المؤخر مع ما فيه من طول ربما يُخلُّ تقديمُه بتجاوب أطرافِ النظم الكريم { يَوْمَئِذٍ } أي يومَ إذْ نُسفت الجبالُ على إضافة اليوم إلى وقت النسْفِ وهو ظرفٌ لقوله تعالى: { يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِىَ } وقيل: بدلٌ من يومَ القيامة وليس بذاك أي يتبع الناسُ داعيَ الله عز وجل إلى المحشر وهو إسرافيلُ عليه السلام يدعو الناسَ عند النفخةِ الثانية قائماً على صخرة بـيتِ المقدس، ويقول: أيتها العِظامُ النخِرةُ والأوصالُ المتفرّقةُ واللحومُ المتمزّقة قومي إلى عَرْض الرحمٰن، فيُقبلون من كل أَوبٍ إلى صَوْبه { لاَ عِوَجَ لَهُ } لا يعوَجّ له مدعوٌّ ولا يعدِل عنه.

{ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } أي خضعت لهيبته { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } أي صوتاً خفياً ومنه الهميسُ لصوت أخفافِ الإبل، وقد فُسر الهمْسُ بخفق أقدامِهم ونقلِها إلى المحشر.