الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

{ وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَـٰبٌ } هو القرآن، وتنكيرُه للتفخيم ووصفُه بقوله عز وجل { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي كائنٌ من عنده تعالى للتشريف { مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } من التوراة عُبر عنها بذلك لما أن المعيةَ من موجبات الوقوفِ على ما في تضاعيفها المؤدّي إلى العلم بكونه مصدقاً لهما، وقرىء (مصدّقاً) على أنه حال من كتاب لتخصصه بالوصف { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ } أي من قبل مجيئِه { يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي وقد كانوا قبل مجيئه يستفتحون به على المشركين ويقولون: اللهم انصرنا بالنبـي المبعوث في آخر الزمانِ الذي نجد نعته في التوراة ويقولون لهم: قد أظل زمانُ نبـيٍّ يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلُكم معه قتلَ عادٍ وإِرَمَ. قال ابن عباس وقتادة والسدي: نزلت في بني قُرَيظةَ والنضير كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثِه وقيل: معنى يستفتحون يفتحون عليهم ويُعرِّفونهم بأن نبـياً يُبعث منهم قد قرُب أوانُه والسين للمبالغة كما في استعجب أي يسألون من أنفسهم الفتحَ عليهم أو يسأل بعضُهم بعضاً أن يَفتحَ عليهم. وعلى التقديرين فالجملة حاليةٌ مفيدةٌ لكمال مكابرتِهم وعنادِهم، وقولُه عز وعلا: { فَلَمَّا جَاءهُمُ } تكريرٌ للأول لطول العهد بتوسط الجملةِ الحاليةِ، وقولُه تعالى: { مَّا عَرَفُواْ } عبارةٌ عما سلف من الكتاب لأن معرفةَ من أنزل عليه هو معرفةٌ له، والاستفتاحُ به استفتاح به، وإيرادُ الموصولِ دون الاكتفاء بالإضمار لبـيان كمالِ مكابرتِهم، فإن معرفةَ ما جاءهم من مبادىء الإيمان به ودواعيه لا محالةَ والفاء للدلالة على تعقيب مجيئِه للاستفتاح به من غير أن يتخلل بـينهما مدةٌ منسيةٌ له وقوله تعالى: { كَفَرُواْ بِهِ } جوابُ (لمّا) الأولى كما هو رأيُ المبرِّد أو جوابُهما معاً كما قاله أبو البقاء وقيل: جوابُ الأولى محذوفٌ لدلالة المذكورِ عليه فيكونُ قولُه تعالى: وكانوا الخ جملةً معطوفةً على الشرطية عطفَ القصة على القصة والمرادُ (بما عرفوا) النبـيُّ صلى الله عليه وسلم، كما هو المراد بما (كانوا يستفتحون به) فالمعنى ولما جاءهم كتابٌ مصدقٌ لكتابهم كذّبوه وكانوا من قبل مجيئِه يستفتحون بمن أُنزل عليه ذلك الكتابُ فلما جاءهم النبـيُّ الذي عرَفوه كفروا به { فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } اللامُ للعهد أي عليهم، ووضعُ المظهرِ موضِعَ المُضْمَرِ للإيذان بأن حلولَ اللعنةِ بسبب كفرِهم كما أن الفاءَ للإيذان بترتبها عليه، أو للجنس وهم داخلون في الحُكم دخولاً أولياً إذ الكلامُ فيهم، وأياً ما كان فهو محقِّقٌ لمضمون قوله تعالى: { بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ }.