الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } * { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ }

{ قَالُواْ } استئنافٌ كنظائره { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِىَ } زيادةُ استكشافٍ عن حالها كأنهم سألوا بـيانَ حقيقتها بحيث تمتاز عن جميع ما عداها مما تشاركها في الأوصاف المذكورة والأحوالِ المشروحة في أثناء البـيان ولذلك علّلوه بقولهم: { إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَيْنَا } يعنُون أن الأوصافَ المعدودةَ يشترك فيها كثير من البقر ولا نهتدي بها إلى تشخيص ما هو المأمورُ بها ولذلك لم يقولوا إن البقرَ تشابهت إيذاناً بأن النعوتَ المعدودةَ ليست بمُشخّصة للمأمور بها بل صادقةً على سائر أفرادِ الجنس، وقرىء إنَّ الباقِرَ وهو اسمٌ لجماعة البَقر والأباقر والبواقر، ويتشابه بالياء والتاء وَيشّابه بطرح التاء والإدغام على التذكير والتأنيث وتَشَابهت مخففاً ومشدداً وتَشَبَّهُ بمعنى تتشبه ويشبّه بالتذكير ومتشابِهٌ ومتشابهةٌ ومُتَشَبِّهٌ ومُتَشَبِّهَةٌ وفيه دلالة على أنهم ميَّزوها عن بعض ما عداها في الجملة وإنما بقي اشتباهٌ بشرف الزوال كما ينبىء عنه قولهم: { وَإِنَّا إِن شَاء ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } مؤكداً بوجوه من التوكيد أي لمهتدون بما سألنا من البـيان إلى المأمور بذبحها وفي الحديث لو لم يستثنوا لما بُـيِّنَتْ لهم آخرَ الأبد.

{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأرْضَ وَلاَ تَسْقِى ٱلْحَرْثَ } أي لم تُذلَّلْ للكِراب وسقْي الحَرْثَ، و(لا ذلول) صفةٌ لبقرةٌ بمعنى غيرُ ذَلول و(لا) الثانية لتأكيد الأولى والفعلان صفتا ذلول كأنه قيل: لا ذلولٌ مثيرةٌ وساقية، وقرىء لا ذلول بالفتح أي حيث هي كقولك: مررت برجل لا بخيلٍ ولا جبان أي حيث هو وقرىء تُسْقي من أسقىٰ { مُّسَلَّمَةٌ } أي سلَّمها الله تعالى من العيوب أو أهّلها من العمل أو خلص لها لونها من سَلِم له كذا إذا خَلَص له، ويؤيده قوله تعالى: { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } أي لا لونَ فيها يخالف لونَ جلدِها حتى قَرْنُها وظِلْفُها وهي في الأصل مصدرُ وشاه وشّياً وشِيةً إذا خلَط بلونه لوناً آخر { قَالُواْ } عندما سمعوا هذه النعوت { ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ } أي بحقيقة وصفِ البقرةِ بحيث ميَّزْتها عن جميع ما عداها ولم يبقَ لنا في شأنها اشتباهٌ أصلاً بخلاف المرتين الأوليـين فإن ما جئتَ به فيهما لم يكن في التعيـين بهذه المرتبة. ولعلهم كانوا قبلَ ذلك قد رأَوْها ووجدوها جامعةً لجميع ما فُصِّل من الأوصاف المشروحةِ في المرات الثلاثِ من غير مشارِكٍ لها فيما عُدَّ في المرة الأخيرة، وإلا فمن أين عرَفوا اختصاصَ النعوت الأخيرةِ بها دون غيرها؟ وقرىء الآنَ بالمد على الاستفهام والآنَ بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام { فَذَبَحُوهَا } الفاء فصيحة كما في فانفجَرت أي فحصّلوا البقرةَ فذبحوها { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } كادَ من أفعال المقاربة وُضع لدنوِّ الخبر من الحصول، والجملةُ حال من ضمير ذبحوا أي فذبحوها والحال أنهم كانوا قبل ذلك بمعزل منه، أو اعتراضٌ تذيـيلي ومآلُه استثقالُ استعصائِهم واستبطاءٌ لهم وأنهم لفَرْط تطويلِهم وكثرةِ مراجعاتِهم ما كاد ينتهي خيطُ استفهامِهم فيها.

السابقالتالي
2