الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَكُمْ } تذكيرٌ لجناية أخرى لأسلافهم أي واذكروا وقت أخْذِنا لميثاقكم بالمحافظة على ما في التوراة { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } عطفٌ على قوله أخذْنا أو حالٌ أي وقد رفعنا فوقَكم الطورَ كأنه ظُلة، رُوي أن موسى عليه السلام لمّا جاءهم بالتوراة فرأَوْا ما فيها من التكاليف الشاقةِ كبُرت عليهم فأبَوْا قَبولها فأُمر جبريلُ عليه السلام فقلَعَ الطورَ فظلله عليهم حتى قبِلوا.

{ خُذُواْ } على إرادة القول { مَا ءاتَيْنَـٰكُم } من الكتاب { بِقُوَّةٍ } بجدٍّ وعزيمة { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } أي احفَظوه ولا تنسَوْه أو تفكروا فيه فإنه ذكرٌ بالقلب أو اعملوا به { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } لكي تتقوا المعاصيَ أو لتنجُوا من هلاك الدارين أو رجاءً منكم أن تنتظِموا في سلك المتقين أو طلباً لذلك وقد مر تحقيقُه { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } أي أعرضْتم عن الوفاء بالميثاق { مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } من بعد أخذِ ذلك الميثاقِ المؤكد { فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } بتوفيقكم للتوبة أو بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم حيث يدْعوكم إلى الحق ويهديكم إليه { لَكُنتُم مّنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } أي المفتونين بالانهماكِ في المعاصي والخبْطِ في مهاوي الضلال عند الفترة. وقيل: لولا فضلُه تعالى عليكم بالإمهال وتأخيرِ العذاب لكنتم من الهالكين وهو الأنسبُ بما بعده وكلمةُ (لولا) إما بسيطةٌ أو مركبة من لو الامتناعية وحرف النفي ومعناها امتناعُ الشيءِ لوجود غيرِه كما أن (لو) لامتناعه لامتناعِ غيرِه والاسم الواقعُ بعدها عند سيبويه مبتدأٌ خبرُه محذوف وجوباً لدلالة الحال عليه وسدِّ الجواب مسدَّه، والتقديرُ لولا فضلُ الله حاصلٌ، وعند الكوفيـين فاعل فعلٍ محذوف أي لولا ثبَتَ فضلُ الله تعالى عليكم.