الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

{ قَالُواْ } استئنافٌ واقعٌ موقعَ الجواب كأنه قيل: فماذا قالوا حينئذ، هل خرجوا عن عُهدة ما كُلفوه أو لا؟ فقيل: قالوا { سُبْحَـٰنَكَ } قيل: هو علمٌ للتسبـيح ولا يكاد يستعملُ إلا مضافاً وقد جاءَ غيرَ مضافٍ على الشذوذِ غيرَ منصرفٍ للتعريف والألفِ والنون المزيدتين كما في قوله: [السريع]
[أقول لمَّا جاءني فَخْرُهُ]   سُبحانَ مِنْ علقمَةَ الفاخرِ
وأما في قوله: [البسيط]
سبحانه ثم سُبحاناً نعوذ به   [وقبلنا سَبَّحَ الجوديُّ والجمد]
فقيل: صَرَفه للضرورة، وقيل: إنه مصدر منكرٌ كغفران، لا اسمُ مصدر، ومعناه على الأول نسبحك عما لا يليق بشأنك الأقدسِ من الأمور التي من جملتها خلوُّ أفعالِك من الحِكَم والمصالحِ وعنَوا بذلك تسبـيحاً ناشئاً عن كمال طُمَأنينة النفسِ والإيمان باشتمال استخلاف آدمَ عليه السلام على الحِكَم البالغة، وعلى الثاني تنزهّتَ عن ذلك ناشئاً عن ذاتِك، وأرادوا به أنهم قالوه عن إذعان لمّا علِموا إجمالاً بأنه عليه السلام يُكلَّف ما كُلِّفوه، وأنه يقدِر على ما قد عجزوا عنه مما يتوقف عليه الخلافة، وقوله عز وعلا: { لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا } اعتراف منهم بالعجز عما كُلِّفوه، إذ معناه لا علم لنا إلا ما علمتناه بحسب قابليتِنا من العلوم المناسبة لعالمنا ولا قُدرة بنا على ما هو خارج عن دائرة استعدادِنا حتى لو كنا مستعدّين لذلك لأفَضْتَه علينا، و(ما) في ما علمتنا موصولةٌ حذف من صلتها عائدُها أو مصدرية، ولقد نفَوْا عنهم العلمَ بالأسماء على وجه المبالغة حتى لم يقتصِروا على بـيان عدمِه بأن قالوا مثلاً لا علم لنا بها، بل جعلوه من جُملة ما لا يعلمونه، وأشعروا بأن كونَه من تلك الجملة غنيٌّ عن البـيان { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ } الذي لا يخفىٰ عليه خافية، وهذا إشارةٌ إلى تحقيقهم لقوله تعالى:إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة، الآية30] { ٱلْحَكِيمُ } أي المحكِمُ لمصنوعاته الفاعلُ لها حسبما تقتضيه الحِكمةُ والمصلحة وهو خبرٌ بعد خبر، أو صفةٌ للأول، و(أنت) ضميرُ الفصل لا محل له من الإعراب، أو له محل منه مشارِكٌ لما قبله كما قاله الفرّاء، أو لما بعده كما قاله الكسائي، وقيل: تأكيد للكاف كما في قولك: مررتُ بك أنت، وقيل: مبتدأ خبرُه ما بعده، والجملة خبر إن، وتلك الجملةُ تعليلٌ لما سبق من قصر علمِهم بما علّمهم الله تعالى وما يفهم من ذلك من علم آدمَ عليه السلام بما خفيَ عليهم، فكأنهم قالوا أنت العالمُ بكل المعلوماتِ التي من جملتها استعدادُ آدمَ عليه السلام لما نحن بمعزلٍ من الاستعداد له من العلوم الخفيةِ المتعلقةِ بما في الأرضِ من أنواع المخلوقات التي عليها يدور فَلَكُ خلافةِ الحكيمِ الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحِكمةُ ومن جملته تعليمُ آدمَ عليه السلام ما هو قابلٌ له من العلوم الكليةِ والمعارفِ الجزئيةِ المتعلقة بالأحكام الواردةِ على ما في الأرض، وبناءُ أمرِ الخلافةِ عليها.