الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

{ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } أي كلام جميل تقبله القلوبُ ولا تُنكِره يُرد به السائلُ من غير إعطاء شيءٍ { وَمَغْفِرَةٌ } أي سَترٌ لما وقع من السائل من الإلحاف في المسألة وغيره مما يَثقُل على المسؤول وصفحٌ عنه. وإنما صح الابتداءُ بالنكرة في الأول لاختصاصها بالوصف وفي الثاني بالعطف أو بالصفة المقدرة أي ومغفرة كائنة من المسؤول { خَيْرٌ } أي للسائل { مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى } لكونها مشوبةً بضررِ ما يتبعها وخلوصِ الأولَيْن من الضرر، والجملة مستأنفةٌ مقرِّرة لاعتبار ترك إتباعِ المن والأذى، وتفسيرُ المغفرة بنيل مغفرةٍ من الله تعالى بسبب الرد الجميل أو بعفو السائل بناءً على اعتبار الخيرية بالنسبة إلى المسؤول يؤدّي إلى أن يكون في الصدقة الموصوفةِ بالنسبة إليه خيرٌ في الجملة مع بطلانها بالمرة { وَٱللَّهُ غَنِىٌّ } لا يُحوِجُ الفقراءَ إلى تحمل مؤنةِ المنِّ والأذى ويرزقُهم من جهةٍ أخرى { حَلِيمٌ } لا يعاجل أصحابَ المن والأذى بالعقوبة لا أنهم لا يستحقونها بسببهما، والجملةُ تذيـيلٌ لما قبلها مشتمِلٌ على الوعد والوعيد مقرِّرٌ لاعتبار الخيرية بالنسبة إلى السائل قطعاً. { يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } أقبل عليهم بالخطاب إثرَ بـيانٍ ما بطريق الغَيبة مبالغةً في إيجاب العمل بموجب النهي { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَـٰتِكُم بِٱلْمَنّ وَٱلأذَىٰ } أي لا تُحبِطُوا أجرَها بواحدٍ منهما { كَٱلَّذِى } في محل النصب إما على أنه نعتٌ لمصدر محذوفٍ أي لا تُبطِلوها إبطالَ الذي { يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء ٱلنَّاسِ } وإما على أنه حالٌ من فاعل لا تُبطلوها مشابهين الذي ينفق، أي الذي يُبطل إنفاقَه بالرياء، وقيل من ضمير المصدر المقدر على ما هو رأيُ سيبويه، وانتصابُ رئاءَ إما على أنه عِلةٌ لينفق أي لأجل رئائهم أو على أنه حال من فاعله أي ينفق ماله مرائياً والمراد به المنافقُ لقوله تعالى: { وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأخِرِ } حتى يرجوَ ثواباً أو يخشى عقاباً.

{ فَمَثَلُهُ } الفاء لربط ما بعدها بما قبلها أي فمثل المرائي في الإنفاق وحالته العجيبة { كَمَثَلِ صَفْوَانٍ } أي حَجَرٍ أملسَ { عَلَيْهِ تُرَابٌ } أي شيء يسير منه { فَأَصَابَهُ وَابِلٌ } أي مطرٌ عظيمُ القطر { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } أملسَ ليس عليه شيءٌ من الغبار أصلاً { لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَىْء مّمَّا كَسَبُواْ } لا ينتفعون بما فعلوا رياءً، ولا يجدون له ثواباً قطعاً كقوله تعالى:فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } [الفرقان، الآية 23] والجملة استئنافٌ مبنيٌّ على السؤال كأنه قيل: فماذا يكونُ حالُهم حينئذٍ فقيل: لا يقدِرون الخ ومن ضرورة كونِ مَثَلِهم كما ذُكر كونُ مَثَلِ من يُشبِهُهم وهم أصحابُ المن والأذى كذلك والضميران الأخيران للموصول باعتبار المعنى كما في قوله عز وجل:وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُواْ } [التوبة، الآية 69] لما أن المراد به الجنسُ أو الجمعُ أو الفريق كما أن الضمائرَ الأربعةَ السابقة له باعتبار اللفظ { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } إلى الخير والرشاد، والجملةُ تذيـيلٌ مقرِّر لمضمون ما قبله، وفيه تعريضٌ بأن كلاًّ من الرياء والمنِّ والأذى من خصائص الكفارِ ولا بد للمؤمنين أن يجتنبوها.