الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ } دليلٌ آخرُ على ولايته تعالى للمؤمنين وإخراجِه لهم من الظلمات إلى النور وإنما لم يسلُك به مسلكَ الاستشهاد كما قبله بأن يقال أو كالذي قال: ربِّ الخ لجَرَيان ذكره عليه السلام في أثناء المُحاجَّة ولأنه لا دخْلَ لنفسه عليه السلام في أصل الدليل كدأب عُزيرٍ عليه السلام فإن ما جَرى عليه من إحيائه بعد مائةِ عامٍ من جملة الشواهد على قدرته تعالى وهدايته، والظرفُ منتصبٌ بمُضمرٍ صُرِّح بمثله في نحو قوله تعالى:وَٱذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء } [الأعراف، الآية 69 و74] أي واذكر وقت قوله عليه السلام وما وقع حينئذ من تعاجيب صنعِ الله تعالى لتقِفَ على ما مرَّ من ولايته تعالى وهدايته. وتوجيهُ الأمرِ بالذكر في أمثال هذه المواقعِ إلى الوقت دون ما وقع فيه من الواقعات مع أنها المقصودة بالتذكير لما ذُكر غير مرة من المبالغة في إيجاب ذكرِها لما أن إيجابَ ذكرِ الوقت إيجابٌ لذكر ما وقع فيه بالطريق البرهاني ولأن الوقتَ مشتمِلٌ عليها مفصّلةً فإذا استُحضِرَ كانت حاضرةً بتفاصيلها بحيث لا يشِذُّ عنها شيءٌ مما ذكر عند الحكاية أو لم يُذْكَرْ كأنها مشاهدةٌ عِياناً { رَبّ } كلمة استعطافٍ قُدّمت بـين يدي الدعاء مبالغةً في استدعاء الإجابة { أَرِنِى } من الرؤية البَصَرية المتعدِّية إلى واحدٍ وبدخول همزةِ النقل طلبَتْ مفعولاً آخرَ هو الجملةُ الاستفهامية المعلِّقةُ لها فإنها تعلِّق كما يُعلَّق النظرُ البصَريُّ أي اجعلني مبصراً { كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } بأن تحيِـيهَا وأنا أنظرُ إليها، وكيف في محل نصبٍ على التشبـيه بالظرف عند سيبويه، وبالحال عند الأخفش، والعاملُ فيها تحيـي أي في أيِّ حال أو على أيِّ حالٍ تحيـي. قال القرطبـيُّ: الاستفهامُ بكيف إنما هو سؤالٌ عن حال شيءٍ متقررِ الوجود عند السائلِ والمسؤولِ، فالاستفهامُ هٰهنا عن هيئة الإحياءِ المتقرّر عند السائل أي بصِّرْني كيفيةَ إحيائِك للموتى، وإنما سأله عليه السلام ليتأيّد إيقانُه بالعِيان ويزدادَ قلبُه اطمئناناً على اطمئنان، وأما ما قيل من أن نمرودَ لما قال: أنا أحيـي وأميت قال إبراهيمُ عليه السلام: «إن إحياءَ الله تعالى بردِّ الأرواح إلى الأجساد» فقال نمرودُ: هل عاينتَه فلم يقدِرْ على أن يقول: نعم فانتقل إلى تقريرٍ آخرَ ثم سأل ربه أن يُرِيَه ذلك فيأباه تعليلُ السؤال بالاطمئنان.

{ قَالَ } استئناف كما مر غيرَ مرة { أَوَلَمْ تُؤْمِن } عطفٌ على مقدرٍ أي ألم تعلمْ ولم تؤمنْ بأني قادرٌ على الإحياء كيف أشاء حتى تسألَني إراءتَه قال عز وعلا وهو أعلم بأنه عليه السلام أثبتُ الناسِ إيماناً وأقواهم يقيناً: ليجيبَ بما أجاب به فيكون ذلك لطفاً للسامعين { قَالَ بَلَىٰ } علِمت وآمنتُ بأنك قادر على الإحياء على أي كيفية شئت { وَلَـٰكِنِ } سألت ما سألت { لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } بمُضامَّة العِيانِ إلى الإيمان والإيقان وأزدادَ بصيرةً بمشاهدته على كيفية معينة.

السابقالتالي
2