الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

{ يـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ } في سبـيل الله { مِمَّا رَزَقْنَـٰكُم } أي شيئاً مما رزقناكموه على أن (ما) موصولة حُذف عائدُها، والتعرضُ لوصوله منه تعالى للحث على الإنفاق كما في قوله تعالى:وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } [الحديد، الآية 7] والمرادُ به الإنفاقُ الواجبُ بدلالة ما بعده من الوعيد { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَـٰعَةٌ } كلمةُ (مِن) متعلقةٌ بما تعلقت به أختها ولا ضير فيه لاختلاف معنيـيهما فإن الأولىٰ تبعيضيةٌ وهذه لابتداء الغايةِ أي أنفِقوا بعضَ ما رزقناكم من قبل أنْ يأتيَ يومٌ لا تقدِرون على تلافي ما فرّطتم فيه إذ لا تبايُعَ فيه حتى تتبايعوا ما تُنفقونه أو تفتدون به من العذاب ولا خُلةٌ حتى يسامحَكم به أخلاؤكم أو يُعينوكم عليه ولا شفاعةٌ إلا لمن أذِنَ له الرحمٰنُ ورضِيَ له قولاً حتى تتوسلوا بشفعاءَ يشفعون لكم في حطّ ما في ذمتكم، وإنما رُفعت الثلاثةُ مع قصد التعميم لأنها في التقدير جوابُ هل فيه بـيعٌ أو خلةٌ أو شفاعةٌ وقرىء بفتح الكل { وَٱلْكَـٰفِرُونَ } أي والتاركون للزكاة، وإيثارُه عليه للتغليظ والتهديد كما في قوله تعالى:وَمَن كَفَرَ } [آل عمران: 97، النور: 55، النمل: 40، لقمان: 12، 23] مكانَ ومَنْ لم يحُجّ وللإيذان بأن تركَ الزكاة من صفات الكفار قال تعالى:وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } [فصلت، الآية: 6 و7] { هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } أي الذين ظلموا أنفسَهم بتعريضها للعقاب ووضعوا المالَ في غير موضعِه وصرفوه إلى غير وجهه { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } مبتدأٌ وخبرٌ أي هو المستحِقُّ للمعبودية لا غير، وفي إضمار خبرِ لا مِثلَ في الوجود أو يصِح أن يوجد - خلاف للنحاة معروفٌ { ٱلْحَىّ } الباقي الذي لا سبـيل عليه للموت والفناء، وهو إما خبرٌ ثانٍ أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ أو بدل من لا إلٰه إلا هو، أو بدلٌ من الله أو صفة له، ويعضُده القراءة بالنصب على المدح لاختصاصه بالنعت { ٱلْقَيُّومُ } فَيْعولٌ، من قام بالأمر إذا حفِظه أي دائمُ القيام بتدبـير الخلق وحفظه، وقيل: هو القائمُ بذاته المقيمُ لغيره { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } السِنةُ ما يتقدم النومَ من الفتور قال عديُّ بنُ الرقاعِ العاملي: [الكامل]
وَسْنانُ أقصده النعاسُ فرنَّقت   في عينه سِنةٌ وليس بنائمِ
والنومُ حالةٌ تعرِضُ للحيوان من استرخاء أعصابِ الدماغِ من رُطوبات الأبخرة المتصاعدة بحيث تقِف المشاعرُ الظاهرةُ عن الإحساس رأساً والمرادُ بـيان انتفاءِ اعتراءِ شيءٍ منهما له سبحانه لعدم كونهما من شأنه تعالى لا لأنهما قاصران بالنسبة إلى القوة الإلٰهية فإنه بمعزل من مقامِ التنزيهِ فلا سبـيلَ إلى حمل النظم الكريمِ على طريقة المبالغةِ والترقي بناءً على أن القادرَ على دفع السِنة قد لا يقدرُ على دفع النوم القويِّ كما في قولك: فلانٌ يقِظٌ لا تغلِبُه سِنةٌ ولا نوم وإنما تأخيرُ النوم للمحافظة على ترتيب الوجودِ الخارجي، وتوسيطُ كلمةِ لا للتنصيص على شمول النفي لكلٍّ منهما كما في قوله عز وجل:

السابقالتالي
2 3