الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

{ تِلْكَ } إشارة إلى ما سلف من حديث الألوفِ وخبرِ طالوتَ على التفصيل المرقومِ، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو شأنِ المشارِ إليه { آيات ٱللَّهِ } المنزلةُ من عنده تعالى، والجملةُ مستأنفة، وقوله تعالى: { نَتْلُوهَا عَلَيْكَ } أي بواسطة جبريلَ عليه السلام إما حالٌ من الآيات والعاملُ معنى الإشارة وإما جملةٌ مستقلة لا محل لها من الإعراب { بِٱلْحَقِّ } في حيز النصبِ على أنه حالٌ من مفعول نتلوها أي ملتبسةً باليقين الذي لا يرتاب فيه أحد من أهل الكتاب وأربابِ التواريخ لما يجدونها موافقةً لما في كتبهم، أو من فاعلِه أي نتلوها عليك ملتبسين بالحق والصواب، أو من الضمير المجرور أي ملتبساً بالحق والصدق { وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي من جملة الذين أُرسلوا إلى الأمم لتبليغ رسالاتِنا وإجراءِ أوامرِنا وأحكامنا عليهم فإن هذه المعاملةَ لا تجري بـيننا وبـين غيرهم فهي شهادة منه سبحانه برسالته عليه الصلاة والسلام إثرَ بـيانِ ما يستوجبها، والتأكيدُ من مقتضيات مقامِ الجاحدين بها.

{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } استئنافٌ فيه رمزٌ إلى أنه عليه الصلاة والسلام من أفاضلِ الرسلِ العظامِ عليهم الصلاة والسلام إثرَ بـيانِ كونِه من جملتهم والإشارةُ إلى الجماعة الذين من جملتهم النبـيُّ صلى الله عليه وسلم، فاللام في المآل للاستغراق وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو طبقتِهم وبُعدِ منزلتهم وقيل: إلى الذين ذُكرت قِصصُهم في السورة وقيل: إلى الذين ثبت علمُه صلى الله عليه وسلم بهم { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } في مراتب الكمالِ بأن خصَصْناه حسبما تقتضيه مشيئتُنا بمآثِرَ جليلةٍ خلا عنها غيرُه { مّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } تفصيلٌ للتفصيل المذكور إجمالاً أي فضله بأن كلمهُ تعالى بغير سفيرٍ وهو موسى عليه الصلاة والسلام حيث كلمهُ تعالى ليلةَ الخِيْرة وفي الطور وقرىء { كَلِّـمَ ٱللَّهِ } [البقرة، الآية 253] بالنصب وقرىء كالَمَ الله من المكالمة فإنه كلّم الله تعالى كما أنه تعالى كلمه، ويؤيده كليمُ الله بمعنى مكالمِه، وإيرادُ الاسمِ الجليلِ بطريق الالتفات لتربـية المهابةِ، والرمزِ إلى ما بـين التكليم والرفعِ وبـين ما سبَقَ من مطلق التفضيل وما ألحق من إيتاء البـيناتِ والتأيـيدِ بروحِ القدسِ من التفاوت { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَـٰتٍ } أي ومنهم من رفعه على غيره من الرسل المتفاوتين في معارجِ الفضل بدرجات قاصيةٍ ومراتبَ نائيةٍ، وتغيـيرُ الأسلوب لتربـية ما بـينهم من اختلاف الحالِ في درجات الشرفِ، والظاهرُ أنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كما ينبىء عنه الإخبارُ بكونه عليه الصلاة والسلام منهم فإن ذلك في قوة بعضهم فإنه قد خُصَّ بالدعوة العامة والحُجج الجمة والمعجزاتِ المستمرة والآياتِ المتعاقبة بتعاقُب الدهور والفضائلِ العلمية والعمليةِ الفائتة للحصر، والإبهامُ لتفخيم شأنه وللإشعار بأنه العلَمُ الفردُ الغنيُّ عن التعيـين وقيل: إنه إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام حيث خصه تعالى بكرامة الخُلّة وقيل: إدريسُ عليه السلام حيث رفعه مكاناً علياً وقيل: أوُلو العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام.

السابقالتالي
2