الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ فَإِنْ خِفْتُمْ } أي من عدو أو غيرِه { فَرِجَالاً } جمع راجل كقيام وقائم أو رجل بمعنى راجل وقرىء بضم الراء مع التخفيف وبضمها مع التشديد أيضاً وقرىء فرَجِلاً أي راجلاً { أَوْ رُكْبَانًا } جمع راكب أي فصلوا راجلين أو راكبـين حسبما يقتضيه الحالُ ولا تُخِلّوا بها ما أمكن الوقوفُ في الجملة وقد جوّز الشافعيُّ رحمه الله أداءها حال المسايفة أيضاً { فَإِذَا أَمِنتُمْ } بزوال الخوف { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } أي فصلّوا صلاةَ الأمن وعبر عنها بالذكر لأنه معظمُ أركانِها { كَمَا عَلَّمَكُم } متعلق بمحذوف وقع وصفاً لمصدر محذوف أي ذكراً كائناً كما علمكم أي كتعليمه إياكم { مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } من كيفية الصلاة، والمرادُ بالتشبـيه أن تكون الصلاةُ المؤداة موافقةً لما علّمه الله تعالى، وإيرادُها بذلك العنوانِ لتذكير النعمةِ أو اشكُروا الله تعالى شكراً يوازي تعليمَه إياكم ما لم تكونوا تعلمونه من الشرائع والأحكامِ التي من جملتها كيفيةُ إقامةِ الصلاة حالتي الخوفِ والأمن. هذا وفي إيراد الشرطية الأولى بكلمة إن المفيدةِ لمشكوكية وقوعِ الخوفِ ونُدرته وتصديرِ الشرطيةِ الثانية بكلمة إذا المُنبئة عن تحقق وقوعِ الأمن وكثرته مع الإيجاز في جواب الأولى والإطنابِ في جواب الثانية المبنيّـين على تنزيل مقامِ وقوعِ المأمور به فيهما منزلةَ مقامِ وقوعِ الأمر تنزيلاً مستدعياً لإجراءِ مقتضىٰ المقام الأولِ في كل منهما مُجرى مقتضىٰ المقام الثاني من الجزالة ولطفِ الاعتبار ما فيه عبرةٌ لأولي الأبصار { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوٰجًا } عَودٌ إلى بـيانِ بقيةِ الأحكامِ المفصَّلة فيما سلف إثرَ بـيانِ أحكامٍ توسطتْ بـينهما لما أشير إليه من الحكمة الداعيةِ إلى ذلك { وَصِيَّةً لاّزْوَاجِهِم } أي يوصون أو لِيُوصوا أو كتب الله عليهم وصيةً، ويؤيد هذا قراءةُ مَنْ قرأ كتب عليكم الوصية لأزواجكم وقرىء بالرفع على تقدير مضاف في المبتدأ أو الخبر أي حُكمُ الذين يُتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصيةٌ لأزواجهم، أو والذين يُتوفون أهل وصية لأزواجهم أو كُتِب عليهم وصيةٌ أو عليهم وصيةٌ وقرىء متـاعٌ لأزواجهم بدل وصية { مَّتَـٰعًا إِلَى ٱلْحَوْلِ } منصوبٌ بـيوصون إن أضمَرْته وإلا فبالوصية أو بمتاع على القراءة الأخيرة { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } بدل منه أو مصدر مؤكد كما في قولك: هذا القولُ غيرُ ما تقول أو حال من أزواجهم أي غيرَ مُخرَجاتٍ والمعنى يجب على الذين يُتوفَّوْن أن يوصوا قبل الاحتضار لأزواجهم بأن يُمتّعْنَ بعدهم حولاً بالنفقة والسُكنىٰ وكان ذلك أولَ الإسلام ثم نُسخت المدة بقوله تعالى:أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } [البقرة، الآية 234] فإنه وإن كان متقدماً في التلاوة فهو متأخرٌ في النزول وسقطت النفقة بتوريثها الربعَ أو الثمنَ وكذلك السكنى عندنا، وعند الشافعيّ هي باقية، { فَإِنْ خَرَجْنَ } عن منزل الأزواج باختيارهن { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أيها الأئمة { فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ } لا ينكِرُه الشرْعُ كالتزيُّن والتطيُّب وتركِ الحِدادِ والتعرّضِ للخُطّاب، وفيه دلالةٌ على أن المحظورَ إخراجُها عند إرادة القرارِ وملازمةِ مسكنِ الزوجِ والحداد من غير أن يجب عليها ذلك وأنها كانت مخيّرة بـين الملازمة مع أخذ النفقةِ وبـين الخروج مع تركها { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } غالبٌ على أمره يعاقِبُ من خالفه { حَكِيمٌ } يراعي في أحكامه مصالحَ عباده.