الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

وقولُه تعالى: { فِى ٱلدُّنُيَا وَٱلأخِرَةِ } متعلقٌ إما بـيُبـيْن أي يبـين لكم فيما يتعلق بالدنيا والآخرة الآيات وإما بمحذوفٍ وقع حالاً من الآيات أي يبـينها لكم كائنةً فيهما أي مبـيِّنةً لأحوالكم المتعلقةِ بهما، وإنما قدم عليه التعليلُ لمزيد الاعتناءِ بشأن التفكر، وإما بقوله تعالى: { تَتَفَكَّرُونَ } [البقرة، الآيات: 219 و266] أي تتفكرون في الأمور المتعلقة بالدنيا والآخرة في الأحكام الواردةِ في أجوبة الأسئلةِ المارّة فتختارون منها ما يصلُح لكم فيهما وتجتنبون عن غيره. وهذا التخصيصُ هو المناسبُ لمقام تعدادِ الأحكام الجزئيةِ ويجوزُ التعميمُ لجميع الأمور المتعلقة بالدنيا والآخرة بذلك حينئذ إشارةً إلى ما مر من البـيانات كلاً أو بعضاً لا إلى مصدر ما بعده فإنه حينئذ فعلٌ مستقلٌ ليس بعبارة عن تلك البـيانات والمرادُ بالآيات غيرُ ما ذكر والمعنى مثلَ ذلك البـيان الوارد في الأجوبة المذكورة يبـين الله لكم الآياتِ والدلائلَ لعلكم تتفكرون في أموركم المتعلقة بالدنيا والآخرة وتأخذون بما يصلح لكم وينفعُكم فيهما وتذرون ما يضرُّكم حسبما تقتضيه تلك الآياتُ المبـينة.

{ ويسألونك عن اليتامى } عطفٌ على ما قبله من نظيره رُوي أنه لما نزلتإِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً } [النساء، الآية 10] الآية، تحامىٰ الناسُ عن مخالطة اليتامى وتعهُّد أموالهم فشق عليهم ذلك فذكروه للنبـي صلى الله عليه وسلم فنزلت { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } أي التعرضُ لأحوالهم وأموالهم على طريق الإصلاح خيرٌ من مجانبتهم اتقاءً. { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ } وتعاشِروهم على وجهٍ ينفعهم { فَإِخوَانُكُمْ } أي فهم إخوانُكم أي في الدين الذي هو أقوى من العلاقة النسبـية، ومن حقوق الأخوة ومواجبها المخالطةُ بالأصلاح والنفعِ، وقد حُمل المخالطةُ على المصاهرة { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } العلم بمعنى المعرفة المتعدية إلى واحد و(من) لتضمينه معنى التميـيز أي يعلم مَنْ يفسد في أمورهم عند المخالطة أو مَنْ يقصِد بمخالطته الخيانةَ والإفسادَ مُميِّز له ممن يُصلح فيها أو يقصد الإصلاح فيجازي كلاً منهما بعمله، ففيه وعدٌ ووعيد خلا أن في تقديم المفسد مزيدَ تهديدٍ وتأكيداً للوعيد { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لأعْنَتَكُمْ } أي لو شاء أن يُعْنِتَكم أو يكلفَكم ما يشق عليكم من العنت وهو المشقة لفعل ولم يجوِّزْ لكم مداخلتَهم { أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } غالبٌ على أمره لا يعِزُّ عليه أمر من الأمور التي من جملتها إعناتُكم فهو تعليلٌ لمضمون الشرطية، وقولُه عز وجل: { حَكِيمٌ } أي فاعل لأفعاله حسبما تقتضيه الحكمةُ الداعيةُ إلى بناء التكليف على أساس الطاقة، دليلٌ على ما تفيده كلمة «لو» من انتفاء مقدمها.

{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَـٰتِ } أي لا تَتَزوجوهن وقرىء بضم التاء من الإنكاح أي لا تُزوِّجوهن من المسلمين { حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } والمرادُ بهن إما ما يعم الكتابـياتِ أيضاً حسبما يقتضيه عمومُ التعليلين الآتيـين لقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3