الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً } متَّفقين على كلمة الحقِّ ودينِ الإسلام، وكان ذلك بـين آدمَ وإدريسَ أو نوحٍ عليهم السَّلام أو بعدَ الطوفان { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيّينَ } أي فاختلفوا فبَعَثَ إلخ، وهي قراءةُ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه وقد حُذف تعويلاً على ما يُذكر عَقيبه { مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ } عن كعب: الذي علمتُه من عدد الأنبـياء عليهم السَّلام مائةٌ وأربعةٌ وعشرون ألفاً، والمرسَلُ منهم ثلثُمائةٍ وثلاثة عشرَ، والمذكورُ في القرآن ثمانيةٌ وعشرون، وقيل كان الناسُ أمَّةً واحدةً متَّفقةً على الكفر والضلال في فترة إدريسَ أو نوحٍ فبعث اللَّهُ النبـيـين فاختلفوا عليهم والأولُ هو الأنسبُ بالنظم الكريم { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } أي جنسَ الكتابِ أو مع كلِّ واحدٍ منهم ممن له كتابٌ كتابُه الخاصُّ به لا مع كل واحد منهم على الإطلاق إذ لم يكنْ لبعضهم كتابٌ وإنما كانوا يأخُذون بكتب مَن قبلَهم، وعمومُ النبـيـين لا ينافي خصُوصَ الضمير العائد إليه بمعونة المقام { بِٱلْحَقّ } حال من الكتاب أي ملتبساً بالحق أو متعلق بأنزل كقوله عزَّ وعلاَّ:وَبِٱلْحَقّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقّ نَزَلَ } [الإسراء، الآية 105] { لِيَحْكُمَ } أي الكتابُ أو الله سُبحانه وتعالى أو كلُّ واحد من النبـيـين { بَيْنَ ٱلنَّاسِ } أي المذكورين، والإظهارُ في موضع الإضمارِ لزيادة التعيـين { فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } أي في الحق الذي اختلفوا فيه أو فيما التَبَس عليهم.

{ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ } أي في الحق أو في الكتاب المُنْزل ملتبساً به، والواوُ حالية { إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ } أي الكتابَ المنزلَ لإزالة الاختلاف وإزاحةِ الشقاق، والتعبـيرُ عن الإنزال بالإيتاء للتنبـيه من أول الأمرِ على كمال تمكُّنِهم من الوقوف على ما في تضاعيفه من الحق فإن الإنزالَ لا يفيد تلك الفائدةَ أي عكسوا الأمرَ حيث جعلوا ما أُنزل لإزالة الاختلافِ سبباً لاستحكامه ورسوخِه { مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ } أي رَسَخَتْ في عقولهم و(مِنْ) متعلِّقة بمحذوف يدل عليه الكلامُ أي فاختلفوا وما اختلف فيه إلخ وقيل بالملفوظ بناءً على عدم منع إلا عنه كما في قولك ما قام إلا زيدٌ يوم الجمعة { بَغْياً بَيْنَهُمْ } متعلِّقٌ بما تعلقتْ به (من) أي اختلفوا بغياً وتهالُكاً على الدنيا { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } بالكتاب { لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } أي للحق الذي اختَلَف فيه من اختَلَف { مِنَ ٱلْحَقّ } بـيانٌ لما، وفي إبهامه أولاً وتفسيرِه ثانياً ما لا يخفى من التفخيم { بِإِذْنِهِ } بأمره أو بتيسيره ولطفهِ { وَٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَاء إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } موصِلٍ إلى الحقّ وهو اعتراضٌ مقرِّر لمضمون ما سبق.