الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ } أي من مجلسك وقيل: إذا صار والياً { سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ } كما فعله الأخنسُ بثقيفٍ حيث بـيتهم وأحرَق زروعَهم وأهلَك مواشيَهم أو كما يفعله ولاةُ السوء بالقتل والإتلاف أو بالظلم حتى يمنع الله تعالى بشؤمه القَطْرَ فيهلِكَ الحرثَ والنسلَ وقرىء ويَهلِكَ الحرثُ والنسلُ على إسناد الهلاك إليهما عطفاً على سعى وقرىء بفتح اللام وهي لغة وقرىء على البناء للمفعول من الإهلاك { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ } أي لا يرتضيه بل يُبغضه ويغضَبُ على من يتعاطاه وهو اعتراضٌ تذيـيلي.

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُ } على نهْج العِظة والنصيحة { ٱتَّقِ ٱللَّهَ } واترُكْ ما تباشِرُه من الفساد أو النفاق واحذرْ سوءَ مغبَّتِه { أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإثْمِ } أي حملتْه الأَنَفةُ وحَمِيةُ الجاهلية على الإثم الذي نُهِيَ عنه لَجاجاً وعِناداً من قولك أخذتُه بكذا إذا حملتُه عليه أو ألزمْتُه إياه { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } مبتدأٌ وخبر أي كافِيهِ جهنَّمُ، وقيل جهنمُ فاعلٌ لحسبُه سادٌّ مسدَّ خبرِه وهو مصدر بمعنى الفاعل، وقويَ لاعتماده على الفاء الرابطة للجملة بما قبلها وقيل حسبُ اسمُ فعلٍ ماضٍ أي كفتْه جهنَّمُ { وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } جوابُ قسمٍ مقدَّرٍ والمخصوصُ بالذم محذوفٌ لظهوره وتعيُّنه والمِهادُ الفِراش وقيل ما يوطأ للجَنْب والجملةُ اعتراض { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ } مبتدأ وخبرٌ كما مر أي يبـيعها ببذْلِها في الجهاد ومشاقِّ الطاعات وتعريضِها للمهالك في الحروب، أو يأمرُ بالمعروف وينهى عن المنكر وإن ترتب عليه القتلُ { ٱبْتَغَاء مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ } أي طلباً لرضاه وهذا كمالُ التقوى، وإيرادُه قسيماً للأول من حيث إن ذلك يأنفُ من الأمر بالتقوى وهذا يأمرُ بذلك وإن أدىٰ إلى الهلاك، وقيل: نزلت في صهيبِ بنِ سنانٍ الروميّ، أخذه المشركون وعذبوه ليرتدَّ فقال إني شيخٌ كبـير لا أنفعُكم إن كنت معكم ولا أضرُّكم إن كنت عليكم فخلُّوني وما أنا عليه وخُذوا مالي فقَبِلوا منه مالَه فأتىٰ المدينة، فيشري حينئذٍ بمعنى يشتري لجريان الحال على صورة الشراء { وَٱللَّهُ رَءوفٌ بِٱلْعِبَادِ } ولذلك يكلفهم التقوى ويعرِّضهم للثواب، والجملةُ اعتراضٌ تذيـيلي.