الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

{ ذٰلِكَ } ذا اسمُ إشارة واللاَّمُ كنايةٌ عما جيء به للدلالة على بُعد المشارُ إليه، والكافُ للخطاب، والمشارُ إليه هو المسمَّى، فإنه منزَّلٌ منزلةَ المشاهَدِ بالحسِّ البَصَري، وما فيه من معنى البعدِ، مع قُرب العهدِ بالمُشار إليه، للإيذان بعلو شأنه، وكونِه في الغاية القاصيةِ من الفضل والشرف، إثرَ تنويهِه بذكر اسمِه، وما قيل من أنه باعتبار التقصّي أو باعتبار الوصولِ من المرسِل إلى المرسَل إليه في حكم المتباعِد، وإن كان مصححاً لإيراده، لكنه بمعزل من ترجيحه على إيراد ما وُضع للإشارة إلى القريب، وتذكيرُه على تقدير كون المسمَّى هي السورة، لأن المشار إليه هو المسمَّى بالاسم المذكورِ من حيث هو مسمًّى به، لا من حيث هو مسمًّى بالسورة، ولئن ادُّعيَ اعتبارُ الحيثية الثانية في الأول بناءً على أن التسمية لتميـيز السور بعضِها من بعض، فذلك لتذكير ما بعده، وهو على الوجه الأول مبتدأٌ على حِدَةٍ، وعلى الوجه الثاني مبتدأ ثانٍ.

وقوله عز وعلا: { ٱلْكِتَـٰبِ } إما خبرٌ له، أو صفةٌ، أما إذا كان خبراً له فالجملةُ على الوجه الأولِ مستأنفةٌ مؤكِّدةٌ لما أفادته الجملةُ الأولى من نباهة شأن المسمَّى، لا محلَّ لها من الإعراب، وعلى الوجه الثاني في محل الرفع على أنها خبرٌ للمبتدأ الأول، واسمُ الإشارة مغنٍ عن الضمير الرابط، والكتابُ إما مصدرٌ سُمِّي به المفعولُ مبالغةً كالخَلْق والتصوير للمخلوق والمصوَّر، وإما فعلٌ بني للمفعول كاللِّباس، من الكتاب الذي هو ضمُّ الحروف بعضِها إلى بعض، وأصله الجمعُ والضمُ في الأمور البادية للحسِّ البصَري، ومنه الكتيبةُ للعسكر، كما أن أصل القراءة الجمعُ والضمُ في الأشياء الخافية عليه، وإطلاقُ الكتاب على المنظوم عبارةً لِما أن مآله الكتابة، والمرادُ به على تقدير كونِ المسمَّى هي السورة جميع القرآن الكريم وإن لم يتم نزولُه عند نزول السورة، إما باعتبار تحققِه في علم الله عز وجل، أو باعتبار ثبوتِه في اللوح، أو باعتبار نزولِه جملةً إلى السماء الدنيا، حسبما ذُكر في فاتحة الكتاب، واللام للعهد والمعنى أن هذه السورة هو الكتاب أي العمدةُ القصوى منه كأنه في إحراز الفضل كلُّ الكتاب المعهودِ، الغنيُّ عن الوصف بالكمال لاشتهاره به فيما بـين الكتب على طريقة قوله صلى الله عليه وسلم: " الحجُّ عَرَفة " وعلى تقدير كون المسمَّى كلَّ القرآن، فالمرادُ بالكتاب الجنسُ، واللامُ للحقيقة، والمعنى أن ذلك هو الكتابُ الكاملُ الحقيقُ بأن يُخصَّ به اسمُ الكتاب، لتفوقه على بقية الأفرادِ في حيازة كمالاتِ الجنس، كأن ما عداه من الكُتُب السماوية خارجٌ منه بالنسبة إليه كما يقال هو الرجل، أي الكاملُ في الرجولية الجامعُ لما يكون في الرجال من مراضي الخِصال، وعليه قولُ من قال: [الطويل]

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8