الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ }

{ وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌ } بـيانٌ لمحاسِنِ الحُكم المذكور على وجهٍ بديعٍ لا تُنال غايتُه حيث جُعل الشيءُ محلاً لضِدِّه، وعُرِّف القصاص ونُكِّر الحياةُ ليدل على أن في هذا الجنس نوعاً من الحياة عظيماً لا يبلُغه الوصفُ وذلك لأن العلمَ به يردَعُ القاتلَ عن القتل فيتسبَّب لحياةِ نفسَيْن، ولأنهم كانوا يقتُلون غيرَ القاتل والجماعةَ بالواحد فتثورُ الفتنةُ بـينهم، فإذا اقتُصَّ من القاتل سلِم الباقون فيكون ذلك سبباً لحياتهم، وعلى الأول فيه إضمارٌ وعلى الثاني تخصيصٌ وقيل: المرادُ بالحياة هي الأُخروية فإن القاتلَ إذا اقتُصَّ منه في الدنيا لم يؤخَذْ به في الآخرة، والظَّرْفان إما خبرانِ (لحياةٌ) أو أحدُهما خبرٌ والآخَرُ صِلةٌ له أو حالٌ من المستكنِّ فيه وقرىء في القَصَصِ أي فيما قُصَّ عليكم من حُكم القتل حياةٌ أو في القرآن حياة أو في القرآنِ حياةٌ للقلوب { يأُوْلِي ٱلألْبَـٰبِ } أي ذوي العقولِ الخالصةِ عن شَوْب الأوهام، خوطبوا بذلك بعد ما خُوطبوا بعنوان الإيمان تنشيطاً لهم إلى التأمل في حِكمة القصاص { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي تتقون أنفسَكم من المساهلة في أمره والإهمالِ في المحافظة عليه والحُكمِ به والإذعانِ له، أو في القصاص فتكُفّوا عن القتل المؤدِّي إليه { كُتِبَ عَلَيْكُمْ } بـيانٌ لحكمٍ آخَرَ من الأحكام المذكورة { إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } أي حضر أسبابُه وظهرَ أماراتُه أو دنا نفسُه من الحضور، وتقديمُ المفعول لإفادة كمال تمكنِ الفاعلِ عند النفسِ وقت ورودِه عليها { إِن تَرَكَ خَيْرًا } أي مالاً وقيل: مالاً كثيراً لما رُوي عن علي رضي الله عنه أن مولىً له أراد أن يوصِيَ وله سبعُمائة درهمٍ فمنعه وقال: قال الله تعالى: { إِن تَرَكَ خَيْرًا } [البقرة، الآية 180] وإن هذا لشيء يسيرٌ فاترُكْه لعيالك. وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً أراد الوصيةَ وله عيالٌ وأربعُمائة دينارٍ فقالت: ما أرى فيه فضلاً. وأراد آخرُ أن يوصِيَ فسألته كم مالُك؟ فقال: ثلاثةُ آلافِ درهم قالت: كم عيالُك؟ قال: أربعة قالت: إنما قال الله تعالى: إنْ ترك خيراً وإن هذا لشيءٌ يسيرٌ فاترُكْه لعيالك { ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأقْرَبِينَ } مرفوعٌ بكُتِبَ، أُخِّر عما بـينهما لما مر مراراً، وإيثارُ تذكيرِ الفعلِ مع جواز تأنيثِه أيضاً للفصل أو على تأويل أن يوصِيَ، أو الإيصاءُ، ولذلك ذُكّر الضميرُ في قوله تعالى:فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ } [البقرة، الآية 181] وإذا ظرفٌ محضٌ والعاملُ فيه كُتب لكن لا من حيث صدورُ الكتْب عنه تعالى بل من حيث تعلُّقُه بهم تعلقاً فِعلياً مستتبِعاً لوجوب الأداءِ كما يُنبىء عنه البناءُ للمفعول وكلمةُ الإيجاب، ولا مساغَ لجعل العامل هو الوصيةُ لتقدّمه عليها، وقيل: هو مبتدأ خبرُه للوالدين، والجملةُ جوابُ الشرط بإضمار الفاءِ كما في قوله: [البسيط]

السابقالتالي
2