الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى ما أشير إليه بنظيره بالاعتبار المذكور خاصة لا مع ما يتلوه من أحوالهم الفظيعةِ إذ لا دخل لها في الحكم الذي يراد إثباتُه ههنا فإن المقصود تصويرُ ما باشروه من المعاملة بصورة قبـيحة تنفِر منها الطباعُ ولا يتعاطاها عاقلٌ أصلاً ببـيان حقيقةِ ما نبذوه وإظهار كُنهِ ما أخذوهُ وإبداءِ فظاعة تِبعاتِه، وهو مبتدأ خبرُه الموصولُ أي أولئك المشترون بكتاب الله عز وجل ثمناً قليلاً ليسوا بمشترين للثمن وإن قل، بل هم { ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ } بالنسبة إلى الدنيا { ٱلضَّلَـٰلَةُ } التي ليست مما يمكن أن يشترىٰ قطعاً { بِٱلْهُدَىٰ } الذي ليس من قبـيل ما يُبذل بمقابلة شيء وإن جل { وَٱلْعَذَابَ } أي اشتروا بالنظر إلى الآخرة العذاب الذي لا يُتوَهَّم كونُه مما يشترىٰ { بِٱلْمَغْفِرَةِ } التي يتنافس فيها المتنافسون { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } تعجيبٌ من حالهم الهائلة التي هي ملابستُهم بما يوجب النارَ إيجاباً قطعياً كأنه عينها و(ما) عند سيبويهِ نكرةٌ تامة مفيدة لمعنى التعجيب مرفوعةٌ بالابتداء وتخصيصُها كتخصُّص شرَ في «شرٌّ أَهَرَّ ذَا نَابٍ» خبرُها ما بعدها أي شيءٌ ما عظيم جعلهم صابرين على النار، وعند الفراء استفهامية وما بعدها خبرها أي أيُّ شيءٍ أصبرَهم على النار وقيل: هي موصولة وقيل: موصوفة بما بعدها والخبر محذوف أي الذي أصبرهم على النار أو شيءٌ أصبرهم على النار أمرٌ فظيع { ذٰلِكَ } العذاب { بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَـٰبَ } أي جنس الكتاب { بِٱلْحَقّ } أي ملتبساً به فلا جرم أن يكون من يرفضه بالتكذيب والكتمان ويركب متنَ الجهل والغَواية مُبتلىً بمثل هذا من أفانينِ العذاب { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } أي في جنس الكتابِ الإلٰهيِّ بأن آمنوا ببعض كتبِ الله تعالى وكفروا ببعضها أو اختلفوا في التوراة بأن آمنوا ببعض آياتِها وكفروا ببعضٍ كالآيات المُغيَّرة المشتملةِ على أمر بِعثةِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم ونعوته الكريمة فمعنى الاختلافِ التخلفُ عن الطريق الحق أو الاختلافُ في تأويلها أو في القرآن بأن قال بعضهم أنه سحرٌ وبعضُهم أنه شعرٌ وبعضهم أساطيرُ الأولين كما حكى عن المفسرين { لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ } عن الحق والصواب مستوجب لأشد العذاب { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } البِرُّ اسمٌ جامع لمراضِي الخصالِ، والخطابُ لأهل الكتابـين فإنهم كانوا أكثروا الخوضَ في أمر القِبلة حين حُوِّلت إلى الكعبة وكان كلُّ فريقٍ يدّعي خيريةَ التوجُّه إلى قبلته من القُطرين المذكورين، وتقديمُ المشرق على المغرب مع تأخر زمانِ الملّةِ النصرانية إما لرعاية ما بـينهما من الترتيب المتفرِّع على ترتيب الشروق والغروب وإما لأن توجّه اليهودِ إلى المغرب ليس لكونه مَغرِباً بل لكون بـيتِ المقدس من المدينة المنورة واقعاً في جانب فقيل لهم: ليس البر ما ذكرتم من التوجه إلى تينك الجهتين، على أن البر خبرُ ليس مقدم على اسمها كما في قوله: [الطويل]

السابقالتالي
2 3