الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ } * { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } جملةٌ مستأنفة سيقت لتحقيق بقاءِ اللعن فيما وراء الاستثناءِ وتأكيدِ دوامِه واستمرارِه على غير التائبـين حسبما يفيده الكلام، والاقتصارُ على ذكر الكفر في الصلة من غير تعرضٍ لعدم التوبة والإصلاحِ والتبـيـينِ مبنيٌّ على ما أشير إليه فكما أن وجودَ تلك الأمور الثلاثةِ مستلزِمٌ للإيمان الموجبِ لعدم الكفر كذلك وجودُ الكفر مستلزمٌ لعدمها جميعاً أي أن الذين استمروا على الكفر المستتبِع للكتمان وعدمِ التوبة { وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } لا يرعوون عن حالتهم الأولى { أُوْلَـٰئِكَ } الكلامُ كما فيما قبله { عَلَيْهِمْ } أي مستقِرٌّ عليهم { لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلـئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } ممن يُعتَدُّ بلعنهم، وهذا بـيانٌ لدوامها الثبوتي بعد بـيان دوامِها التجدّدي، وقيل: الأولُ لعنتَهم أحياءً وهذا لعنتُهم أمواتاً. وقرىء والملائكةُ والناسُ أجمعون عطفاً على محلِّ اسم الله لأنه فاعلٌ في المعنى، كقولك: أعجبني ضربُ زيدٍ وعمروٍ، تريد مِنْ أنْ ضَربَ زيدٌ وعمروٌ، كأنه قيل: أولئك عليهم أنْ لعنهم الله والملائكةُ الخ وقيل: هو فاعل لفعل مقدرٍ أي ويلعنهم الملائكة { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } أي في اللعنة أو في النار على أنها أُضمرت من غير ذكرٍ تفخيماً لشأنها وتهويلاً لأمرِها { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ } إما مستأنفٌ لبـيان كثرة عذابِهم من حيث الكيفُ إثرَ بـيانِ كثرتِه من حيث الكمُّ أو حال من الضمير في خالدين على وجه التداخُل أو من الضمير في عليهم على طريقة الترادُف { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } عطفٌ على ما قبله جارٍ فيه، وإيثارُ الجملةِ الاسميةِ لإفادة دوامِ النفي واستمراره أي لا يُمهلون ولا يُؤجّلون أو لا يُنتظرون ليعتذروا أو لا يُنظر إليهم نَظَر رحمة { وَإِلَـٰهُكُمْ } خطابٌ عام لكافة الناس أي المستحِقُّ منكم للعبادة { إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } أي فردٌ في الإلٰهية لا صحةَ لتسمية غيرِه إلٰهاً أصلاً { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } خبرٌ ثانٍ للمبتدأ أو صفةٌ أخرى للخبر أو اعتراضٌ، وأياً ما كان فهو مقرِّرٌ للوحدانية ومُزيحٌ لما عسى أن يُتوهّم أن في الوجود إلٰهاً لكن لا يستحق العبادة { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } خبران آخرانِ للمبتدأ أو لمبتدأ محذوفٍ وهو تقريرٌ للتوحيد فإنه تعالى حيث كان مُولياً لجميع النعم أصولِها وفروعِها جليلِها ودقيقِها وكان ما سواه كائناً ما كان مفتقراً إليه في وجوده وما يتفرَّع عليه من كمالاته تحققتْ وحدانيتُه بلا ريب وانحصر استحقاقُ العبادةِ فيه تعالى قطعاً.

قيل: كان للمشركين حول الكعبة المكرمة ثلثُمائة وستون صنماً فلما سمعوا هذه الآيةَ تعجبوا وقالوا: إن كنت صادقاً فأتِ بآيةٍ نعرِفْ بها صدقك فنزلت.