الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }

{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ } علمانِ لجبلين بمكةَ المعظمةِ كالصَّمّان والمُقَطَّم { مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } من أعلام مناسكِه جمعُ شعيرةٍ وهي العلامة { فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ } الحجُّ في اللغة القصدُ والاعتمارُ الزيارة غلباً في الشريعة على قصدِ البـيت وزيارتِه على الوجهين المعروفين كالبـيت والنجم في الأعيان، وحيث أُظهر البـيتُ وجب تجريدُه عن التعلق به { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } أي في أن يطوفَ بهما أصلُه يتطوف، قلبت التاءُ طاءً فأدغمت الطاءُ في الطاء، وفي إيراد صيغةِ التفعُّل إيذانٌ بأن من حق الطائفِ أن يتكلف في الطواف ويبذُل فيه جُهدَه، وهذا الطواف واجبٌ عندنا، وعن الشافعي ومالك رحمهما الله أنه ركنٌ، وإيرادُه بعدم الجُناح المشعرِ بالتخيـير لما أنه كان في عهد الجاهلية على الصفا صنمٌ يقال له إساف، وعلى المروة آخرُ اسمُه نائلة وكانوا إذا سعَوْا بـينهما مسَحوا بهما، فلما جاء الإسلامُ وكسَّر الأصنامَ تحرَّج المسلمون أن يطوفوا بـينهما لذلك، فنزلت. وقيل: هو تطوُّع، ويعضُده قراءةُ ابنِ مسعود فلا جُناحَ عليه أن لا يطوفَ بهما { وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا } أي فعلَ طاعةً فرضاً كان أو نفلاً أو زاد على ما فُرض عليه من حج أو عمرةٍ أو طوافٍ، وخيراً حينئذ نُصب على أنه صفةٌ لمصدر محذوفٍ أي تطوعاً خيراً، أو على حذف الجار وإيصال الفعل إليه، أو على تضمين معنى فَعلَ، وقرىء يَطوَّع وأصلُه يتطوع مثل يطَّوّف وقرىء ومن يَتَطَوَّع بخيرٍ { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ } أي مُجازٍ على الطاعة عُبّر عن ذلك بالشكر مبالغةً في الإحسان إلى العباد { عَلِيمٌ } مبالغ في العلم بالأشياء فيعلم مقاديرَ أعمالِهم وكيفياتِها فلا يَنْقُصُ من أجورهم شيئاً، وهو علةٌ لجواب الشرطِ قائم مقامَه، كأنه قيل: ومن تطوعَ خيراً جازاه الله وأثابه فإن الله شاكرٌ عليم.