الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } * { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }

{ وَلَنَبْلُوَنَّكُم } لنُصيبنَّكم إصابةَ من يختبرُ أحوالَكم أتصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء { بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ } أي بقليلٍ من ذلك فإن ما وقاهم عنه أكثرُ بالنسبة إلى ما أصابهم بألف مرة وكذا ما يصيبُ به معانديهم، وإنما أَخبرَ به قبل الوقوعِ ليُوطِّنوا عليه نفوسَهم ويزدادَ يقينُهم عند مشاهدتهم له حسبما أَخبرَ به وليعلموا أنه شيءٌ يسير له عاقبةٌ حميدة { وَنَقْصٍ مّنَ ٱلأمَوَالِ وَٱلأنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ } عطفٌ على شيءٍ وقيل: على الخوف، وعن الشافعيِّ رحمه الله: الخوفُ خوفُ الله والجوعُ صومُ رمضانَ، ونقصٌ من الأموال الزكاةُ والصدقاتُ ومن الأنفس الأمراضُ ومن الثمرات موتُ الأولاد. وعن النبـي صلى الله عليه وسلم: " إذا مات ولدُ العبد قال الله تعالى للملائكة: أقبضتم روحَ عبدي؟ فيقولون: نعم فيقول عز وجل: أقبضتم ثمرةَ قلبِه؟ فيقولون: نعم فيقول الله تعالى: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمِدَك واسترجَع فيقول الله عز وعلا: ابنُوا لعبدي بـيتاً في الجنة وسمُّوه بـيتَ الحمد " { وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ } الخطابُ للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتىٰ منه البِشارة، والمصيبةُ ما يصيب الإنسانَ من مكروه لقوله عليه السلام: " كلُّ شيءٍ يؤذي المؤمنَ فهو له مصيبةٌ " وليس الصبرُ هو الاسترجاعُ باللسان بل بالقلب بأن يَتصوَّرَ ما خُلق له وأنه راجِعٌ إلى ربه ويتذكرَ نِعمَ الله تعالى عليه ويرى أن ما أبقىٰ عليه أضعافُ ما استردّ منه، فيهونُ ذلك على نفسه ويستسلم، والمبشَّرُ به محذوفٌ دل عليه ما بعده { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الصابرين باعتبار اتصافِهم بما ذكر من النعوت، ومعنى البعد فيه للإيذان بعلوِّ رُتبتِهم { عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ } الصلاةُ من الله سبحانه المغفرةُ والرأفةُ، وجمعُها للتنبـيه على كثرتها وتنوُّعِها والجمعُ بـينها وبـين الرحمةِ للمبالغة كما في قوله تعالى:رَأْفَةً وَرَحْمَةً } [الحديد، الآية 10]لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ } [البقرة، الآية 117 و128. وسورة النور، الآية 20. وسورة الحشر، الآية 10] والتنوين فيهما للتفخيم، والتعرضُ لعنوان الربوبـية مع الإضافة إلى ضميرهم لإظهارِ مزيدِ العناية بهم أي أولئك الموصوفون بما ذُكر من النعوت الجليلةِ عليهم فنونُ الرأفةِ الفائضةِ من مالك أمورِهم ومبلِّغِهم إلى كمالاتها اللائقةِ بهم. وعن النبـي صلى الله عليه وسلم: " من استرجعَ عند المصيبةِ جَبر الله مصيبَته وأحسن عُقباه وجعل له خَلَفاً صالحاً يرضاه " { وَأُوْلـئِكَ } إشارةٌ إليهم إما بالاعتبار السابقِ، والتكريرُ لإظهارِ كمالِ العناية بهم، وإما باعتبار حيازتِهم لما ذُكر من الصلوات والرحمة المترتبِ على الاعتبار الأول، فعلى الأول المرادُ بالاهتداء في قوله عز وجل: { هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } هو الاهتداءُ للحق والصواب مطلقاً لا الاهتداءُ لما ذكر من الاسترجاعِ والاستسلامِ خاصة، لما أنه متقدمٌ عليهما فلا بدّ لتأخيره عما هو نتيجةٌ لهما من داعٍ يوجبُه، وليس بظاهر. والجملة اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله كأنه قيل: وأولئك هم المختصون بالاهتداء لكل حقَ وصواب ولذلك استرجعوا واستسلموا لقضاء الله تعالى، وعلى الثاني هو الاهتداءُ والفوزُ بالمطالب، والمعنى أولئك هم الفائزون بمباغيهم الدينيةِ والدنيويةِ فإن مَنْ نال رأفةَ الله تعالى ورحمتَه لم يفُتْه مَطلبٌ.