الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

{ قُولُواْ } خطابٌ للمؤمنين بعد خِطابه عليه السلام بردِّ مقالتِهم الشنعاءِ على الإجمال وإرشادٌ لهم إلى طريق التوحيد والإيمان على ضربٍ من التفصيل أي قولوا لهم بمقابلة ما قالوا تحقيقاً وإرشاداً ضمنياً لهم إليه { آمنَّا بِٱللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا } يعني القرآن قُدِّم على سائر الكتب الإلٰهية مع تأخرُّه عنها نزولاً لاختصاصِه بنا وكونِه سبباً للإيمان بها { وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ } الصُحُف وإن كانت نازلةً إلى إبراهيم عليه السلام لكن من بعده حيث كانوا متعبَّدين بتفاصيلها داخلين تحت أحكامِها جُعلت منزلة إليهم كما جعل القرآنُ منزلاً إلينا والأسباطُ جمعُ سِبْط وهو الحافِدُ والمرادُ بهم حَفَدةُ يعقوبَ عليه السلام أو أبناؤه الاثنا عشرَ وذراريهم فإنهم حفَدةُ إبراهيمَ وإسحاقَ { وَمَا أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } من التوراة والإنجيل وسائر المعجزات الباهرةِ بأيديهما حسبما فُصّل في التنزيل الجليل، وإيرادُ الإيتاء لما أُشير إليه من التعميم، وتخصيصُهما بالذكر لما أن الكلام مع اليهود والنصارى { وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ } أي جملةُ المذكورين وغيرُهم { مّن رَّبّهِمُ } من الآيات البـيناتِ والمعجزاتِ الباهراتِ { لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ } كدأب اليهود والنصارى آمنوا ببعض وكفروا ببعض وإنما اعتُبر عدمُ التفريق بـينهم مع أن الكلامَ فيما أوتوه لاستلزام عدم التفريق بـينهم بالتصديق والتكذيب لعدم التفريقِ بـين ما أوُتوه، وهمزةُ (أحداً) إما أصليةٌ فهو اسمٌ موضوع لمن يصلُح أن يخاطَب يستوي فيه المفردُ والمثنى والمجموعُ والمذكرُ والمؤنث ولذلك صح دخولُ (بـين) عليه كما في مثل المالِ بـين الناس ومنه ما في قوله صلى الله عليه وسلم: " ما أُحِلَّتِ الغنائمُ لأحدٍ سُودِ الرُّؤوسِ غيرِكم " حيثُ وصف بالجمع، وإما مبدلةٌ من الواو فهو بمعنى واحد وعمومُه لوقوعه في حيز النفي وصحةِ دخول (بـين) عليه باعتبار معطوفٍ قد حُذف لظهوره أي بـين أحد منهم وبـين غيره كما في قول النابغة [الطويل]
فما كان بـين الخير لو جاء سالما   أبو حَجَرٍ إلا ليالٍ قلائلُ
أي بـين الخير وبـيني وفيه من الدلالة صريحاً عليه تحقيقُ عدمِ التفريقِ بـين كلِّ فردٍ منهم وبـين من عداه كائناً من كان ما ليس في أن يقال لا نفرِّق بـينهم، والجملة حالٌ من الضمير في آمنا وقوله عز وجل: { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي مخلصون له ومُذعنون حالٌ أخرى منه أو عطفٌ على آمنا.