الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }

{ وَٱتَّقَوْاْ } إن لم تؤمنوا { يَوْمًا لاَّ تَجْزِى } في ذلك اليوم { نَفْسٌ } من النفوس { عَن نَّفْسٍ } أخرى { شَيْئاً } من الأشياء أو شيئاً من الجزاء { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي فدية { وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَـٰعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } وتخصيصُهم بتكرير التذكيرِ وإعادةِ التحذير للمبالغة في النُصحِ، وللإيذان بأن ذلك فذلكةُ القضية والمقصودُ من القصة لِما أن نعمَ الله عز وجل عليهم أعظمُ وكفرَهم بها أشدُّ وأقبحُ.

{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ } شروع في تحقيق أن هُدى الله هو ما عليه النبـي صلى الله عليه وسلم من التوحيد والإسلام الذي هو ملةُ إبراهيمَ عليه السلام، وأن ما عليه أهلُ الكتابـين أهواءٌ زائغةٌ وأن ما يدّعونه من أنهم على ملة إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام فريةٌ بلا مريةٍ ببـيان ما صدر عن إبراهيم وأبنائه الأنبـياءِ عليهم السلام من الأقاويل والأفاعيل الناطقة بحقية التوحيدِ والإسلام وبُطلان الشركِ وبصحة نبوةِ النبـي صلى الله عليه وسلم وبكونه ذلك النبـيِّ الذي استدعاه إبراهيمُ وإسماعيلُ عليهما الصلاة والسلام بقولهما:رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ } [البقرة، الآية 129] الآية فإذْ منصوب على المفعولية بمضمر مقدرٍ خوطبَ به النبـيُّ صلى الله عليه وسلم بطريق التلوينِ أيْ واذكر لهم وقت ابتلائِه عليه السلام ليتذكروا بما وقع فيه من الأمور الداعية إلى التوحيد، الوازعةِ عن الشرك فيقبلوا الحقَّ ويتركوا ما هم فيه من الباطل، وتوجيهُ الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع أنها المقصودةُ بالذات قد مر وجهُه في أثناء تفسير قوله عز وجل:وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة، الآية 30] وقيل: على الظرفية بمُضمر مؤخَّرٍ أي وإذ ابتلاه كان كيت وكيت وقيل: بما سيجيء من قوله تعالى: { قَالَ } الخ، والأول هو اللائق بجزالة التنزيل، ولا يبعُد أن ينتصِبَ بمضمرٍ معطوف على اذكُروا خُوطب به بنو إسرائيلَ ليتأملوا فيما يُحْكى عمن ينتمون إلى ملة إبراهيمَ وأبنائه عليهم السلام من الأفعال والأقوال ليقتدوا بهم ويسيروا سيرتَهم.

والابتلاءُ في الأصل الاختبارُ أي تطلُب الخِبرة بحال المختَبَر بتعريضه لأمر يشُقُّ عليه غالباً فِعلُه أو تركُه، وذلك إنما يُتصور حقيقة ممن لا وقوفَ له على عواقبِ الأمور، وأما من العليم الخبـير فلا يكون إلا مَجازاً من تمكينه للعبد من اختيار أحدِ الأمرين قبل أن يُرتِّب عليه شيئاً هو من مباديه العادية، كمن يختبرُ عبدَه ليتعرَّف حاله من الكِياسة فيأمُره بما يليق بحاله من مَصالحه. وإبراهيمُ اسمٌ أعجميٌّ قال السُهيلي: كثيراً ما يقع الاتفاقُ أو التقاربُ بـين السريانيِّ والعربـي، ألا ترى أن إبراهيمَ تفسيره أبْ رَاحِم، ولذلك جُعل هو وزوجتُه سارةُ كافِلَيْن لأطفال المؤمنين الذين يموتون صغاراً يوم القيامة على ما رَوى البُخاريُّ في حديث الرؤيا:

السابقالتالي
2 3 4