الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ } * { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

{ إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ } أي ملتبساً بالقرآن كما في قوله تعالى: { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقّ لَمَّا جَاءهُمْ } أو بالصدق كما في قوله تعالى: { أَحقٌّ هو }. وقولُه تعالى: { بَشِيراً وَنَذِيراً } حال من المفعول باعتبار تقيـيدِه بالحال الأولى أي أُرْسلناك ملتبساً بالقرآن حالَ كونك بشيراً لمن آمن بما أُنزِل عليك وعمِل به ونذيراً لمن كفَر به أو أرسلناك صادقاً حال كونِك بشيراً لمن صدّقك بالثواب ونذيراً لمن كذّبك بالعذاب ليختاروا لأنفسهم ما أحبّوا لا قاسرَ لهم على الإيمان فلا عليك إنْ أصرُّوا وكابروا { وَلاَ تُسْـئَلُ عَنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْجَحِيمِ } ما لهم لم يؤمنوا بعدما بلّغْتَ ما أُرسلتَ به وقرىء (لن تُسأل) وقرىء لا تَسْألْ على صيغة النهي إيذاناً بكمال شدةِ عقوبةِ الكفار وتهويلاً لها كأنها لغاية فظاعتها لا يقدِرُ المخبِرُ على إجرائها على لسانه أو لا يستطيع السامعُ أن يسمع خبرَها، وحملُه على نهي النبـي صلى الله عليه وسلم عن السؤال عن حال أبويه مما لا يساعدُه النظمُ الكريمُ والجحيمُ: المتأججُ من النار، وفي التعبـير عنهم بصاحبـية الجحيم دون الكفر والتكذيب ونحوهما وعيدٌ شديد لهم وإيذانٌ بأنهم مطبوعٌ عليهم لا يُرجىٰ منهم الإيمانُ قطعاً.

وقوله تعالى: { وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } بـيانٌ لكمال شدةِ شكيمةِ هاتين الطائفتين خاصة إثْرَ بـيانِ ما يعُمُّهما والمشركين من الإصرار على ما هم عليه إلى الموت، وإيرادُ لا النافية بـين المعطوفَيْن لتأكيد النفي لما مر من أن تصلُّبُ اليهودِ في أمثال هذه العظائم أشدُّ من النصارى والإشعارِ بأن رضى كلٍّ منهما مباينٌ لرضى الأخرى أي لن ترضىٰ عنك اليهودُ ولو خلَّيتَهم وشأنَهم حتى تتبعَ ملّتهم ولا النصارى ولو تركتهم ودينَهم حتى تتبع مِلَّتَهم فأُوجِزَ النظمُ ثقةً بظهور المراد، وفيه من المبالغة في إقناطه صلى الله عليه وسلم من إسلامهم ما لا غايةَ وراءه فإنهم حيث لم يرضَوْا عنه عليه السلام ولو خلاّهم يفعلون ما يفعلون بل أملّوا منه صلى الله عليه وسلم ما لا يكاد يدخُل تحت الإمكان من اتباعه عليه السلام لمِلّتهم فكيف يُتوهم اتباعُهم لملته عليه السلام؟ وهذه حالتُهم في أنفسهم ومقالتُهم فيما بـينهم، وأما أنهم أظهروها للنبـي صلى الله عليه وسلم وشافهوه بذلك وقالوا: لن نرضىٰ عنك وإن بالغْتَ في طلب رضانا حتى تتبعَ مِلَّتنا كما قيل فلا يساعده النظمُ الكريم بل فيه ما يدل على خلافه، فإن قوله عز وجل: { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ } صريحٌ في أن ما وقع هذا جواباً عنه ليس عينَ تلك العبارةِ بل ما يستلزم مضمونَها أو يلزمه من الدعوة إلى اليهودية والنصرانية وأداءٌ أن الاهتداءَ فيهما كقوله عز وجل حكايةً عنهم:

السابقالتالي
2