الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } خطابٌ للمؤمنينً فيه إرشادٌ لهم إلى الخير وإشارةٌ إلى بعض آخر من جنايات اليهود { لاَ تَقُولُواْ رٰعِنَا } المراعاةُ المبالغةُ في الرعي وهي حِفظُ الغير وتدبـيرُ أموره وتدارُكُ مصالحِه، وكان المسلمون إذا ألقىٰ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من العلم يقولون راعنا يا رسول الله أي راقبْنا وانتظِرْنا وتأنَّ بنا حتى نفهمَ كلامَك ونحفظَه وكانت لليهود كلمةٌ عبرانية أو سريانيةٌ يتسابُّون بها فيما بـينهم وهي راعينا قيل: معناها اسمعْ لا سمِعْت فلما سمعوا بقول المؤمنين ذلك افترصوه واتخذوه ذريعةً إلى مقصِدهم فجعلوا يخاطبون به النبـيَّ صلى الله عليه وسلم يعنون به تلك المسبةَ أو نسبتَه صلى الله عليه وسلم إلى الرَعَن وهو الحمَقُ والهوَج.

روي أن سعد بن عبادة رضي الله عنه سمعها منهم فقال: يا أعداءَ الله عليكم لعنةُ الله والذي نفسي بـيده لئن سمعتُها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عُنقَه قالوا: أولستم تقولونها فنزلت الآية ونُهيَ فيها المؤمنون عن ذلك قطعاً لألسنة اليهود عن التدليس، وأُمروا بما في معناها ولا يقبل التلبـيس فقيل: { وَقُولُواْ ٱنظُرْنَا } أي انظر إلينا بالحذف والإيصال أو انتظرنا على أنه من نظرَه إذا انتظروه وقرىء أنظِرْنا من الإنظار، أي أمهلنا حتى نحفظ وقرىء راعونا على صيغة الجمع للتوقير وراعنا على صيغة الفاعل أي قولا ذا رَعَنٍ كدارعٍ ولابنٍ لأنه لما أشبه قولَهم راعينا وكان سبباً للسب بالرَعَن اتَّصفَ به { وَٱسْمَعُواْ } وأحسنوا سماع ما يكلمكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وما يلقي إليكم من المسائل بآذان واعية وأذهانٍ حاضرةٍ حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة وطلبِ المراعاة أو واسمعوا ما كُلفتموه من النهي والأمر بجدٍّ واعتناء حتى لا ترجِعوا إلى ما نهيتم عنه أو واسمعوا سماعَ طاعةٍ وقَبول ولا يكن سماعُكم مثل سماعِ اليهود حيث قالوا: سمعنا وعصينا { وَلِلْكَـٰفِرِينَ } أي اليهود الذين توسلوا بقولكم المذكور إلى كفرياتهم وجعلوه سبباً للتهاون برسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له ما قالوا { عَذَابٌ أَلِيمٌ } لما اجترءوا عليه من العظيمة، وهو تذيـيلٌ لما سبق فيه وعيدٌ شديد لهم ونوعُ تحذيرٍ للمخاطبـين عما نُهُوا عنه.

{ مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الوُدُّ حبُّ الشيءِ مع تمنِّيه، ولذلك يستعمل في كلَ منهما، ونفيُه كنايةٌ عن الكراهة، ووضعُ الموصول موضعَ الضمير للإشعار بعلّية ما في حيز الصلةِ لعدم وُدِّهم، ولعل تعلقَه بما قبله من حيث إن القولَ المنهيَّ عنه كثيراً ما كان يقع عند تنزيل الوحْي المعبَّرِ عنه في هذه الآية بالخير، فكأنه أُشير إلى أن سببَ تحريفِهم له إلى ما حُكي عنهم لوقوعه في أثناء حصولِ ما يكرهونه من تنزيلِ الخير وقيل: كان فريق من اليهود يُظهرون للمؤمنين محبةً ويزعُمون أنهم يَودُّون لهم الخير فنزلت تكذيباً لهم في ذلك، و(من) في قوله تعالى: { مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ } للتبـيـين كما في قوله عز وعلا:

السابقالتالي
2 3