الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ }

سورة البقرة

مدنية وهي مائتان وست وثمانون آية

{ بسم الله الرحمن الرحيم }

{ الم } الألفاظُ التي يعبّر بها عن حروف المعجمِ التي من جملتها المُقطّعاتُ المرقومةُ في فواتح السورِ الكريمة أسماءٌ لها، لاندراجها تحت حدِّ الاسم، ويشهدُ به ما يعتريها من التعريف والتنكيرِ والجمعِ والتصغيرِ وغير ذلك من خصائص الاسم، وقد نص على ذلك أساطينُ أئمة العربـية، وما وقع في عبارات المتقدمين من التصريح بحَرْفيتها محمولٌ على المسامحة، وأما ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه من أنه عليه السلام قال: " من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنةٌ والحسنةُ بعشر أمثالها، لا أقول ألمْ حرفٌ بل ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرف " وفي رواية الترمذي والدارمي: " لا أقول ألم حرفٌ وذلك الكتابُ حرف ولكنِ الألفُ حرفٌ واللامُ حرفٌ والميمُ حرفٌ والذالُ حرفٌ والكافُ حرفٌ " فلا تعلّقَ له بما نحن فيه قطعاً، فإن إطلاقَ الحرف على ما يقابل الاسمَ والفعلَ عرفٌ جديدٌ اخترعه أئمةُ الصناعة. وإنما الحرفُ عند الأوائل ما يتركب منه الكلمُ من الحروف المبسوطة، وربما يطلق على الكلمة أيضاً تجوزاً، وأريد به في الحديث الشريف دفعُ توهمِ التجوُّز، وزيادةُ تعيـينِ إرادةِ المعنى الحقيقي ليتبـين بذلك أن الحسنةَ الموعودةَ ليست بعدد الكلماتِ القرآنية، بل بعدد حروفها المكتوبةِ في المصاحف، كما يلوِّح به ذكرُ كتابِ الله دون كلامِ الله أو القرآن، وليس هذا من تسمية الشيء باسم مدلولهِ في شيء كما قيل، كيف لا والمحكومُ عليه بالحرفية واستتباعِ الحسنةِ إنما هي المسمّياتُ البسيطةُ الواقعةُ في كتاب الله عز وعلا، سواءٌ عُبّر عنها بأسمائها أو بأنفسها كما في قولك السينُ مهملة والشينُ مثلثة وغير ذلك مما لا يصدُق المحمولُ إلا على ذات الموضوع لا أسماؤها المؤلفة كما إذا قلنا الألف مؤلف من ثلاثة أحرف، فكما أن الحسنات في قراءة قوله تعالى: { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } بمقابلة حروفهِ البسيطة، وموافقةٌ لعددها كذلك في قراءة قوله تعالى: { الم } بمقابلة حروفهِ الثلاثة المكتوبة وموافقةٌ لعددها، لا بمقابلة أسمائِها الملفوظة والألفاتِ الموافقةِ في العدد، إذِ الحكمُ بأن كلاً منها حرفٌ واحد مستلزمٌ للحكم بأنه مستتبعٌ لحسنةٍ واحدة، فالعبرةُ في ذلك بالمعبَّر عنه دون المعبَّر به، ولعل السرَّ فيه أن استتباعَ الحسنةِ منوطٌ بإفادة المعنىٰ المرادِ بالكلمات القرآنية. فكما أن سائرَ الكلماتِ الشريفة لا تفيد معانيَها إلا بتلفظ حروفِها بأنفسها، كذلك الفواتحُ المكتوبةُ لا تفيد المعانيَ المقصودةَ بها إلا بالتعبـير عنها بأسمائها، فجُعل ذلك تلفظاً بالمسمَّيات كالقسمِ الأول من غير فرقٍ بـينهما.

ألا ترى إلى ما في الروايةِ الأخيرةِ من قوله عليه السلام: " والذالُ حرفٌ والكاف حرف "

السابقالتالي
2 3 4