الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } * { لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } * { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً }

{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } حكايةٌ لجناية اليهودِ والنصارى ومن يزعُم من العرب أن الملائكةَ بناتُ الله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبـيراً إثرَ حكاية عبَدةِ الأصنام بطريق عطفِ القصة على القصة وقوله تعالى: { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } ردٌّ لمقالتهم الباطلةِ وتهويلٌ لأمرها بطريق الالتفاتِ المنبىءِ عن كمال السخطِ وشدةِ الغضب المُفصِح عن غاية التشنيعِ والتقبـيحِ، وتسجيلٌ عليهم بنهاية الوقاحةِ والجهل والجراءة، والإدُّ بالكسر والفتح العظيمُ المنكر، والإدّةُ الشدةُ وأدَني الأمرُ وآدَني أثقلني وعظُم عليّ، أي فعلتم أمراً منكراً شديداً لا يقادَر قدرُه، فإن جاء وأتى يستعملان في معنى فعَلَ فيُعدَّيان تعدِيتَه وقوله تعالى: { تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } الخ، صفةٌ لإدًّا أو استئنافٌ لبـيان عِظَم شأنه في الشدة والهول، وقرىء يكاد بالتذكير { يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } يتشقّقن مرةً بعد أخرى من عِظم ذلك الأمر، وقرىء ينفطرْن والأولُ أبلغُ لأن تفعّل مطاوِعُ فعّل، وانفعلَ مطاوعُ فَعَل ولأن أصل التفعّل التكلف.

{ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ } أي تكاد وتنشقّ الأرض { وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ } أي تسقُط وتتهدم، وقوله تعالى: { هَدّاً } مصدرٌ مؤكّدٌ لمحذوف هو حالٌ من الجبال أي تُهدّ هدًّا أو مصدرٌ من المبنيّ للمفعول مؤكّدٌ لتخِرُّ على غير المصدر لأنه حينئذ بمعنى التهدّم والخرُور، كأنه قيل: وتخِرّ الجبال خروراً أو مصدرٌ بمعنى المفعول منصوبٌ على الحالية أي مهدودةً، أو مفعول له أي لأنها تُهَدّ، وهذا تقريرٌ لكونه إدًّا والمعنى أن هَولَ تلك الكلمةِ الشنعاءِ وعِظمَها بحيث لو تَصوّرتْ بصورة محسوسة لم تُطِقْ بها هاتيك الأجرامُ العِظامُ وتفتتت من شدتها أو أن فظاعتَها في استجلاب الغضَبِ واستيجابِ السَّخَط بحيث لولا حِلْمُه تعالى لخُرِّب العالمُ وبُدِّدت قوائمُه غضباً على من تفوه بها.