الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } * { كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً }

قوله تعالى: { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ } ردٌّ لكلمته الشنعاء وإظهارٌ لبطلانها إثرَ ما أشير إليه من التعجب منها، أي قد بلغ من عظمة الشأنِ إلى أن قد ارتقى إلى علم الغيب الذي يستأثر به العليمُ الخبـير حتى ادعىٰ أن يُؤتىٰ في الآخرة مالاً وولداً وأقسم عليه { أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } بذلك فإنه لا يُتوصَّل إلى العلم به إلا بأحد هذين الطريقين، والتعرضُ لعنوان الرحمانية للإشعار بعلية الرحمةِ لإيتاء ما يدّعيه، وقيل: العهدُ كلمةُ الشهادة، وقيل: العملُ الصالح فإن وعدَه تعالى بالثواب عليهما كالعهد وهذا مجاراةٌ مع اللعين بحسب منطوقِ مقالِه كما أن كلامَه مع خبّاب كان كذلك.

وقوله تعالى: { كَلاَّ } ردعٌ له عن التفوّه بتلك العظيمةِ وتنبـيهٌ على خطْأته { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ } أي سنُظهر أنا كتبنا قوله، كقوله: [الطويل]
إذا ما انتسبْنا لم تلِدْني لئيمةٌ   [ولم تجدي من أَنْ تقرّي بها بُدَّا]
أي يتبـينُ أني لم تلدني لئيمة، أو سننتقم منه انتقامَ مَنْ كتب جريمةَ الجاني وحفِظها عليه، فإن نفسَ الكَتَبة لا تكاد تتأخر عن القول، كقوله عز وعلا:مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18] فمبنى الأولِ تنزيلُ إظهارِ الشيءِ الخفيِّ منزلةَ إحداثِ الأمرِ المعدومِ بجامع أن كلاًّ منهما إخراجٌ من الكمُون إلى البروز فيكون استعارةً تبعيةً مبنية على تشبـيه إظهارِ الكتابةِ على رؤوس الأشهاد بإحداثها، ومدارُ الثاني تسميةُ الشيء باسم سببِه فإن كتابةَ جريمةِ المجرمِ سببٌ لعقوبته قطعاً { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } مكانَ ما يدّعيه لنفسه من الإمداد بالمال والولد، أي نطوّل له من العذاب ما يستحقه أو نزيد عذابه ونضاعفه له لكُفره وافترائِه على الله سبحانه وتعالى واستهزائِه بآياته العِظام، ولذلك أُكّد بالمصدر دَلالةً على فرط الغضب.