الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً }

{ يَا زَكَرِيَّا } على إرادة القولِ أي قال تعالى: { يَا زَكَرِيَّا } { إِنَّا نُبَشّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ } لكن لا بأن يخاطِبه عليه الصلاة والسلام بذلك بالذات، بل بواسطة الملَك على أن يحكيَ له عليه الصلاة والسلام هذه العبارةَ عنه عز وجل على نهج قوله تعالى:قُلْ يٰعِبَادِى ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ } [الزمر: 53] الآية، وقد مر تحقيقُه في سورة آلى عمران، وهذا جوابٌ لندائه عليه الصلاة والسلام ووعدٌ بإجابة دعائِه، لكن لا كما هو المتبادرُ من قوله تعالى:فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ } [الأنبياء: 90] الخ، بل بعضاً حسبما تقتضيه المشيئةُ الإلٰهيةُ المبنية على الحِكَم البالغة فإن الأنبـياءَ عليهم الصلاة والسلام وإن كانوا مستجابـي الدعوةِ لكنهم ليسوا كذلك في جميع الدعواتِ، ألا يرى إلى دعوة إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام في حق أبـيه وإلى دعوة النبـي عليه الصلاة والسلام حيث قال: " وسألته أن لا يُذيقَ بعضَهم بأسَ بعض فمنعنيها " وقد كان من قضائه عز وعلا أن يهبَه يحيـى نبـياً مرضياً ولا يرثه، فاستجيب دعاؤُه في الأول دون الثاني حيث قتل قبلَ موت أبـيه عليهما الصلاة والسلام على ما هو المشهورُ، وقيل: بقي بعده برهةً فلا إشكال حينئذ، وفي تعيـين اسمِه عليه الصلاة والسلام تأكيدٌ للوعد وتشريفٌ له عليه الصلاة والسلام، وفي تخصيصه به عليه السلام حسبما يُعرب عنه قوله تعالى: { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } أي شريكاً له في الاسم حيث لم يُسمَّ أحدٌ قبله بـيحيـى ـ مزيدُ تشريفٍ وتفخيم له عليه الصلاة والسلام ـ فإن التسميةَ بالأسامي البديعة الممتازة عن أسماء سائرِ الناس تنويهٌ بالمسمّى لا محالة، وقيل: سميًّا شبـيهاً في الفضل والكمالِ كما في قوله تعالى:هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: 65] فإن المتشاركين في الوصف بمنزلة المتشاركين في الاسم، قالوا: لم يكن له عليه الصلاة والسلام مِثْلٌ في أنه لم يعصِ الله تعالى ولم يهُمَّ بمعصية قط وأنه ولد من شيخ فانٍ وعجوزٍ عاقر وأنه كان حَصوراً، فيكون هذا إجمالاً لما نزل بعده من قوله تعالى:مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ وَسَيّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيّا مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } [آل عمران: 39] والأظهرُ أنه اسمٌ أعجميٌّ وإن كان عربـياً فهو منقول عن الفعل كيعمَرَ ويَعيشَ، قيل: سمي به لأنه حيِـيَ به رحِمُ أمِّه أو حيِـيَ دينُ الله تعالى بدعوته.