الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } * { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً }

{ وَيَقُولُ ٱلإِنْسَـٰنُ } المرادُ به إما الجنسُ بأسره وإسنادُ القول إلى الكل لوجود القولِ فيما بـينهم وإن لم يقله الجميع، كما يقال: بنو فلان قتلوا فلاناً وإنما القاتلُ واحدٌ منهم، وإما البعضُ المعهودُ منهم وهم الكفرةُ أو أُبـيُّ بنُ خلف فإنه أخذ عظاماً باليةً ففتّها وقال: يزعُم محمد أنا نبعث بعد ما نموت ونصير إلى هذه الحال، أي يقول بطريق الإنكار والاستبعاد: { أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } أي أُبعث من الأرض، أو من حال الموت، وتقديمُ الظرف وإيلاؤه حرفَ الإنكار لما أن المنكرَ كونُ ما بعد الموت وقت الحياة، وانتصابُه بفعل دل عليه أُخرجُ لا به فإن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها وهي هٰهنا مخلَصةٌ للتوكيد مجرّدةٌ عن معنى الحال، كما خلَصت الهمزةُ واللامُ للتعويض في يا ألله فساغ اقترانُها بحرف الاستقبال، وقرىء إذا ما مِتّ بهمزة واحدة مكسورة على الخبر.

{ أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَـٰنُ } من الذكر الذي يراد به التفكرُ، والإظهارُ في موقع الإضمار لزيادة التقريرِ والإشعارِ بأن الإنسانيةَ من دواعي التفكرِ فيما جرى عليه من شؤون التكوينِ المُنْحِية بالقلع عن القول المذكور، وهو السرُّ في إسناده إلى الجنس أو إلى الفرد بذلك العنوان، والهمزةُ للإنكار التوبـيخيِّ والواوُ لعطف الجملة المنفيةِ على مقدّر يدلُّ عليه يقول، أي أيقول ذلك ولا يذكر { أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ } أي من قبلِ الحالة التي هو فيها وهي حالةُ بقائِه { وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } أي والحالُ أنه لم يكن حينئذ شيئاً أصلاً، فحيث خلقناه وهو في تلك الحالةِ المنافيةِ للخلق بالكلية مع كونه أبعدَ من الوقوع فلأَنْ نَبعثَه بجمع الموادِّ المتفرِّقة وإيجادِ مثلِ ما كان فيها من الأعراض أَوْلى وأظهرُ، فما له لا يذكُره فيقعَ فيما يقع فيه من النكير! وقرىء يذّكّر ويتذكر على الأصل.