الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً } * { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } * { جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً }

{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } يقال: لعَقِب الخير خلفٌ بفتح اللام ولعقِب الشرِّ خلْفٌ بالسكون أي فعقَبهم وجاء بعدهم عَقِبُ سوءٍ { أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } وقرىء الصلواتِ أي تركوها أو أخّروها عن وقتها { وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ } من شرب الخمر واستحلالِ نكاحِ الأختِ من الأب والانهماكِ في فنون المعاصي. وعن علي رضي الله عنه عندهم مِنْ بناء المشيَّد وركوبِ المنظور ولُبس المشهور { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } أي شراً فإن كلَّ شر عند العرب غيٌّ وكل خير رشادٌ كقوله: [الطويل]
فمن يلقَ خيراً يحمَدِ الناسُ أمرَه   ومن يغْوِ لا يعدَمْ على الغي لائما
وعن الضحاك جزاءَ غيَ كقوله تعالى:يَلْقَ أَثَاماً } [الفرقان: 68] أو غياً عن طريق الجنة، وقيل: " غَيٌّ وادٍ في جهنمَ تستعيذ منه أوديتُها " وقوله تعالى: { إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } يدل على أن الآيةَ في حق الكفرة { فَأُوْلَـئِكَ } إشارةٌ إلى الموصول باعتبار اتصافِه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البُعد لما مرّ مراراً، أي فأولئك المنعوتون بالتوبة والإيمانِ والعمل الصالح { يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } بموجب الوعدِ المحتوم وقرىء يُدْخَلون على البناء للمفعول.

{ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } أي لا يُنقَصون من جزاء أعمالِهم شيئاً، أو لا ينقصون شيئاً من النقص، وفيه تنبـيهٌ على أن كفرَهم السابقَ لا يضرهم ولا ينقُص أجورَهم { جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } بدلٌ من الجنةَ بدلَ البعض لاشتمالها عليها وما بـينهما اعتراضٌ أو نصبٌ على المدح، وقرىء بالرفع على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي هي أو تلك جنات الخ. أو مبتدأ خبرُه التي وعد الخ، وقرىء جنة عدْنَ نصباً ورفعاً، وعدْنُ علمٌ لمعنى العَدْن وهو الإقامةُ كما أن فيْنةَ وسحرَ وأمسَ فيمن لم يصرِفها أعلامٌ لمعاني الفينةِ وهي الساعة التي أنت فيها والسحرِ والأمسِ فجرى لذلك مجرى العدْن، أو هو علمٌ لأرض الجنة خاصةً ولولا ذلك لما ساغ إبدالُ ما أضيف إليه من الجنة بلا وصفٍ عند غير البصريـين ولا صفةٍ بقوله تعالى: { ٱلَّتِى وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ } وجعلُه بدلاً منه خلافُ الظاهر فإن الموصولَ في حكم المشتقّ وقد نصّوا على أن البدَل بالمشتق ضعيفٌ، والتعرضُ لعنوان الرحمة للإيذان بأن وعدَها وإنجازَه لكمال سَعةِ رحمته والباء في قوله تعالى: { بِٱلْغَيْبِ } متعلقةٌ بمضمر هو حالٌ من المضمر العائدِ إلى الجنات أو من عباده، أي وعدها إياهم ملتبسةً أو ملتبسين بالغيب، أي غائبةً عنهم غيرَ حاضرة أو غائبـين عنها لا يرَوْنها وإنما آمنوا بها بمجرد الإخبار، أو بمضمر هو سببُ الوعدِ أي وعدها إياهم بسبب إيمانِهم.

{ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ } أي موعدُه كائناً ما كان فيدخل فيه الجناتُ الموعودةُ دخولاً أولياً، ولما كانت هي مثابةً يُرجَع إليها قيل: { مَأْتِيّاً } أي يأتيه مَنْ وُعِد له لا محالة بغير خُلْف، وقيل: هو مفعولٌ بمعنى فاعل، وقيل: مأتياً أي مفعولاً مُنجَزاً من أتى إليه إحساناً أي فعَلَه.

السابقالتالي
2