الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

{ مَا كَانَ للَّهِ } أي ما صح وما استقام له تعالى { أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَـٰنَهُ } تكذيبٌ للنصارى وتنزيهٌ له تعالى عما بَهتوه وقوله تعالى: { إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } تبكيتٌ لهم ببـيان أن شأنه تعالى ـ إذا قضى أمراً من الأمور ـ أن يعلِّق به إرادتَه فيكونَ حينئذ بلا تأخير، فَمْن هذا شأنُه كيف يُتوهّم أن يكون له ولد وقرىء فيكونَ بالنصب على الجواب.

وقوله تعالى: { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } من تمام كلامِ عيسى عليه السلام، قيل: هو عطف على قوله: { إِنّى عَبْدُ ٱللَّهِ } داخلٌ تحت القولِ وقد قرىء بغير واو، وقرىء بفتح الهمزة على حذف اللام أي ولأنه تعالى ربـي وربُّكم فاعبُدوه كقوله تعالى:وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } [الجن: 18] وقيل: معطوفٌ على الصلاة { هَـٰذَا } أي الذي ذكرتُه من التوحيد { صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } لا يضِلُّ سالكُه والفاء في قوله تعالى: { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } لترتيب ما بعدها على ما قبلها تنبـيهاً على سوء صنيعِهم بجعلهم ما يوجب الاتفاقَ منشأً للاختلاف، فإن ما حُكي من مقالات عيسى عليه السلام مع كونها نصوصاً قاطعةً في كونه عبدَه تعالى ورسولَه قد اختلفت اليهودُ والنصارى بالتفريط والإفراط، أو فرّق النصارى، فقالت النُّسطوريةُ: هو ابنُ الله، وقالت اليعقوبـيةُ: هو الله هبط إلى الأرض ثم صعِد إلى السماء تعالى عن ذلك علواً كبـيراً، وقالت الملكانية: هو عبدُ الله ونبـيُّه.

{ فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } وهم المختلفون عبّر عنهم بالموصول إيذاناً بكفرهم جميعاً وإشعاراً بعلة الحُكم { مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي من شهود يومٍ عظيمِ الهول والحساب والجزاء وهو يومُ القيامة، أو من وقت شهودِه أو من مكان الشهود فيه أو من شهادة ذلك اليوم عليهم، وهو أن يشهد عليهم الملائكةُ والأنبـياءُ عليهم السلام وألسنتُهم وآذانُهم وأيديهم وأرجلُهم وسائرُ آرابِهم بالكفر والفسوق، أو من وقت الشهادة أو من مكانها، وقيل: هو ما شِهدوا به في حق عيسى وأمِّه عليهما السلام.

{ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } تعجّبٌ من حِدّة سمعِهم وأبصارِهم يومئذ، ومعناه أن أسماعَهم وأبصارهم { يَوْمَ يَأْتُونَنَا } للحساب والجزاء أي يوم القيامة جديرٌ بأن يُتعجَّب منها بعد أن كانوا في الدنيا صُمًّا عُمياً، أو تهديدٌ بما سيسمعون ويُبصرون يومئذ، وقيل: أُمر بأن يُسمِعَهم ويُبصرهم مواعيدَ ذلك اليوم وما يحيق بهم فيه، والجارُّ والمجرورُ على الأول في موقع الرفعِ وعلى الثاني في حيز النصب { لَـٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلْيَوْمَ } أي في الدنيا { فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } لا تُدرك غايتُه حيث أغفلوا الاستماعَ والنظرَ بالكلية، ووضعُ الظالمين موضعَ الضمير للإيذان بأنهم في ذلك ظالمون لأنفسهم.