الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً }

تنبـيه: اختلفوا في حياة الخضر عليه الصلاة والسلام، فقيل: إنه حيٌّ وسببُه أنه كان على مقدمة ذي القرنين فلما دخل الظلماتِ أصاب الخضرُ عينَ الحياة فنزل واغتسل منها وشرب من مائها وأخطأ ذو القرنين الطريقَ فعاد، قالوا: وإلياسُ أيضاً في الحياة يلتقيان كلَّ سنة بالموسم، وقيل: إنه ميتٌ لما رُوي أن النبـي عليه الصلاة والسلام صلى العشاءَ ذاتَ ليلة، ثم قال: " أرأيتَكم ليلتَكم هذه فإن رأسَ مائةِ سنة منها لا يبقي ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحدٌ ولو كان الخضرُ حينئذ حيًّا لما عاش بعد مائة عام " رُوي أن موسى عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يفارقه، قال له: أوصِني، قال: لا تطلب العلمَ لتحدّث به واطلبُه لتعمل به.

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ } هم اليهودُ سألوه على وجه الامتحانِ، أو سألتْه قريشٌ بتلقينهم، وصيغةُ الاستقبال للدِلالة على استمرارهم على ذلك إلى ورود الجوابِ وهو ذو القرنين الأكبرُ واسمه (الإسكندرُ بنُ فيلفوس اليوناني)، وقال ابن إسحاق: اسمُه (مَرزُبانُ بنُ مردبةَ) من ولد يافثَ بنِ نوح عليه الصلاة والسلام وكان أسودَ، وقيل: اسمُه (عبد اللَّه بن الضحاك)، وقيل: (مصعبُ بنُ عبد اللَّه بنِ فينانَ بنِ منصور بنِ عبد اللَّه بن الآزَرِ بن عون بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يعرُبَ بن قحطانَ). وقال السهيلي: قيل: إن اسمه (مَرْزُبانُ بنُ مُدرِكةَ) ذكره ابن هشام وهو أول التبابِعة. وقيل: إنه أفريذون بنُ النعمانِ الذي قتل الضحاك. وذكر أبو الريحان البـيروني في كتابه المسمى بـ «الآثار الباقية عن القرون الخالية» أن ذا القرنين هو أبو كرب سميّ بن عيرين بن أفريقيس الحِمْيري وأن مُلكَه بلغ مشارقَ الأرض ومغاربَها وهو الذي افتخر به التبّعُ اليماني حيث قال: [الكامل]
قد كان ذو القرنين جدّي مسلما   ملِكاً علا في الأرض غيرَ مفنَّد
بلغ المشارقَ والمغاربَ يبتغي   أسبابَ أمرٍ من حكيم مُرشد
وجعلَ هذا القولَ أقربَ لأن الأذواءَ كانوا من اليمن كذي المنار وذي نواس وذي النون وذي رُعَين وذي يزَن وذي جَدَن. قال الإمام الرازي: والأولُ هو الأظهرُ لأن من بلغ ملكَه من السعة والقوة إلى الغاية التي نطق بها التنزيلُ الجليلُ إنما هو الإسكندر اليونانيُّ كما تشهد به كتبُ التواريخ. يروى أنه لما مات أبوه جَمع مُلكَ الروم بعد أن كان طوائفَ، ثم قصد ملوكَ العرب وقهرَهم، ثم أمعن حتى انتهى إلى البحر الأخضر، ثم عاد إلى مصرَ فبنى الاسكندرية وسماها باسمه، ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيلَ وورد بـيتَ المقدس وذبح في مذبحه، ثم انعطف إلى أرمينيةَ وبابِ الأبواب ودان له العراقيون والقِبطُ والبربرُ، ثم توجه نحو دارا بنِ دارا وهزمه مراراً إلى أن قتله صاحبُ حرسِه، واستولى على ممالك الفرسِ وقصدَ الهند وفتحه وبنىٰ مدينة سرنديبَ وغيرَها من المدن العظامِ، ثم قصد الصينَ وغزا الأمم البعيدةَ ورجع إلى خراسانَ وبنى بها مدائنَ كثيرة، ورجع إلى العراق ومرض بشهرزورَ ومات، انتهى كلام الإمام.

السابقالتالي
2 3