الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } * { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً }

{ قَالَ } أي الخَضِر عليه الصلاة والسلام: { هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ } على إضافة المصدرِ إلى الظرف اتساعاً وقد قرىء على الأصل، والمشارُ إليه إما نفسُ الفِراق كما في هذا أخوك، أو الوقتُ الحاضرُ أي هذا الوقتُ وقتُ فراق بـيني وبـينِك، أو السؤالُ الثالث، أي هذا سببُ ذلك الفراقِ حسبما هو الموعودُ { سَأُنَبّئُكَ } السين للتأكيد لعدم تراخي التنبئة { بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } التأويلُ رجْعُ الشيءِ إلى مآله والمرادُ به هٰهنا المآلُ والعاقبةُ إذ هو المنبَّأُ به دون التأويل وهو خلاصُ السفينة من اليد العادِيَة، وخلاصُ أبوَي الغلام من شره مع الفوز بالبدل الأحسنِ واستخراجُ اليتيمين للكنز، وفي جعل صلةِ الموصول عدمَ استطاعةِ موسى عليه الصلاة والسلام للصبر دون أن يقال: بتأويل ما فعلتُ أو بتأويل ما رأيتَ ونحوِهما نوعُ تعريضٍ به عليه الصلاة والسلام وعتاب.

{ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ } التي خرقتُها { فَكَانَتْ لِمَسَـٰكِينَ } لضعفاءَ لا يقدرون على مدافعة الظَّلَمة، وقيل: كانت لعشرة إخوةٍ خمسةٌ زَمْنىٰ وخمسة { يَعْمَلُونَ فِى ٱلْبَحْرِ } وإسنادُ العمل إلى الكل حينئذ إنما هو بطريق التغليب أو لأن عملَ الوكلاءِ عمل الموكِّلين { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } أي أجعلها ذاتَ عيب { وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ } أي أمامَهم وقد قرىء به أو خلفَهم وكان رجوعُهم عليه لا محالة واسمه جَلَندَي بنُ كركر، وقيل: منولة بن جلندي الأزْدي { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ } أي صالحةٍ وقد قرىء كذلك { غَصْباً } من أصحابها وانتصابُه على أنه مصدرٌ مبـينٌ لنوع الأخذ، ولعل تفريعَ إرادةِ تعيـيب السفينةِ على مسكنة أصحابِها قبل بـيان خوفِ الغصْب مع أن مدارَها كلا الأمرين، للاعتناء بشأنها إذ هي المحتاجةُ إلى التأويل، وللإيذان بأن الأقوى في المدارية هو الأمرُ الأولُ ولذلك لا يبالي بتخليص سفنِ سائرِ الناس مع تحقق خوفِ الغصبِ في حقهم أيضاً، ولأن في التأخير فصلاً بـين السفينة وضميرِها مع توهم رجوعِه إلى الأقرب.