الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَٰحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } * { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }

{ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً } زيد (لك) لزيادة المكافحةِ بالعتاب على رفض الوصيةِ وقلة التثبّتِ والصبرِ لمّا تكرر منه الاشمئزازُ والاستنكار ولم يَرعَوِ بالتذكير حتى زاد النكير في المرة الثانية { قَالَ } أي موسى عليه الصلاة والسلام: { إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْء بَعْدَهَا } أي بعد هذه المرة { فَلاَ تُصَاحِبْنِى } وقرىء من الإفعال أي لا تجعلني صاحبك { قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنّى عُذْراً } أي قد أعذرتَ ووجدتَ من قِبلي عُذراً حيث خالفتُك ثلاثَ مرات. عن النبـي صلى الله عليه وسلم: " رحم الله أخي موسى استحْيـى فقال ذلك، لو لبث مع صاحبه لأبصرَ أعجبَ الأعاجيب " وقرىء لدُني بتخفيف النون، وقرىء بسكون الدال كعضْد في عضُد.

{ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ } هي أنطاكيةُ، وقيل: أَيْلةُ وهي أبعدُ أرض الله من السماء، وقيل: هي برقة، وقيل: بلدة بأندلس. عن النبـي صلى الله عليه وسلم: " كانوا أهلَ قرية لئاما " وقيل: شرُّ القرى التي لا يضاف فيها الضيفُ ولا يُعرف لابن السبـيل حقُّه، وقوله تعالى: { ٱسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا } في محل الجرِّ على أنه صفةٌ لقرية، ولعل العدولَ عن استطعامهم على أن يكون صفةً للأهل لزيادة تشنيعهم على سوء صنيعِهم فإن الإباءَ من الضيافة ـ وهم أهلُها قاطنون بها ـ أقبحُ وأشنع. روي أنهما طافا في القرية فاستطعماهم فلم يطعموهما واستضافاهم { فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا } بالتشديد، وقرىء بالتخفيف من الإضافة، يقال: ضافه إذا كان له ضيفاً وأضافه وضيّفه أنزله وجعله ضيفاً له، وحقيقةُ ضاف مال إليه من ضاف السهمُ عن الغرَض ونظيرُه زاره من الازورار.

{ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } أي يداني أن يسقُط فاستعيرت الإرادةُ للمشارفة للدِلالة على المبالغة في ذلك، والانقضاضُ الإسراعُ في السقوط وهو انفعالٌ من القضّ، يقال: قتُه فانقضّ، ومنه انقضاضُ الطير والكوكبِ لسقوطه بسرعة، وقيل: هو افْعِلالٌ من النقض كاحمرّ من الحُمرة، وقرىء أن ينقُض من النقْض وأن ينقاض من انقاضّت السن إذا انشقت طولاً { فَأَقَامَهُ } قيل: مسحه بـيده فقام، وقيل: نقضه وبناه، وقيل: أقامه بعمود عمَده به، قيل: كان سَمكُه مائةَ ذراع { قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } تحريضاً له على أخذ الجُعْل لينتعشا به أو تعريضاً بأنه فضولٌ لما في لو من النفي، كأنه لما رأى الحِرمانَ ومِساسَ الحاجة واشتغالَه بما لا يعنيه لم يتمالك الصبرَ، واتخذ افتعل من تخِذ بمعنى أخذ كاتبع من تبع وليس من الأخذ عند البصريـين، وقرىء لتَخِذْتَ أي لأخذت، وقرىء بإدغام الذال في التاء.