الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } * { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَٰهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً }

{ فَلَمَّا بَلَغَا } الفاءُ فصيحة كما أشير إليه { مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا } أي مجمعَ البحرين، وبـينِهما ظرفٌ أضيف إليه اتساعاً أو بمعنى الوصل { نَسِيَا حُوتَهُمَا } الذي جُعل فقدانُه أمارةَ وُجدانِ المطلوب أي نسيا تفقّد أمره وما يكون منه، وقيل: نسي يوشع أن يقدّمه وموسى عليه السلام أن يأمره فيه بشيء، روي أنهما لما بلغا مجمع البحرين وفيه الصخرةُ وعينُ الحياة التي لا يصيب ماؤها ميْتاً إلا حيِـيَ وضعا رؤوسَهما على الصخرة فناما فلما أصاب الحوتَ بردُ الماء ورَوحُه عاش، وقد كانا أكلا منه وكان ذلك بعد ما استيقظ يوشع عليه السلام، وقيل: توضأ عليه السلام من تلك العينِ فانتضح الماءُ على الحوت فعاش فوقع في الماء { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى ٱلْبَحْرِ سَرَباً } مسلَكاً كالسرب وهو النفق، قيل: أمسك الله عز وجل جريةَ الماء على الحوت فصار كالطاق عليه معجزةً لموسى أو للخضر عليهما السلام، وانتصابُ سَرباً على أنه مفعولٌ ثانٍ لاتخذ وفي البحر حال منه أو من السبـيل ويجوز أن يتعلق باتخذ.

{ فَلَمَّا جَاوَزَا } أي مجمعَ البحرين الذي جُعل موعداً للملاقاة، قيل: أدلجا وسارا الليلةَ والغدَ إلى الظهر وأُلقي على موسى عليه السلام الجوعُ فعند ذلك { قَالَ لِفَتَـٰهُ ءاتِنَا غَدَاءنَا } أي ما نتغدى به وهو الحوتُ كما ينبىء عنه الجواب { لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا } إشارةٌ إلى ما سارا بعد مجاوزةِ الموعد { نَصَباً } تعباً وإعياءً، قيل: لم ينصَبْ ولم يجُعْ قبل ذلك، والجملةُ في محل التعليل للأمر بإيتاء الغداء إما باعتبار أن النصَبَ إنما يعتري بسبب الضعفِ الناشىء عن الجوع وإما باعتبار ما في أثناء التغدي من استراحة ما.