الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً }

{ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ } إلى الأمم ملتبسين بحال من الأحوال { إِلا } حالَ كونهم { مُبَشّرِينَ } للمؤمنين بالثواب { وَمُنذِرِينَ } للكفرة والعصاة بالعقاب { وَيُجَـٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ } باقتراح الآياتِ بعد ظهور المعجزاتِ والسؤالِ عن قصة أصحاب الكهفِ ونحوها تعنّتاً { لِيُدْحِضُواْ بِهِ } أي بالجدال { ٱلْحَقّ } أي يُزيلوه عن مركزه ويُبْطلوه من إدحاض القدمِ وهو إزلاقُها، وهو قولهم للرسل عليهم الصلاة والسلام:مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا } [يس، الآية 15]وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لأنزَلَ مَلَـٰئِكَةً } [المؤمنون، الآية 24] ونحوُهما { وَٱتَّخَذُواْ ءايَـٰتِى } التي تخِرُّ لها صمُّ الجبال { وَمَا أُنْذِرُواْ } أي أُنذروه من القوارع الناعيةِ عليهم العقابَ والعذابَ أو إنذارهم { هُزُواً } استهزاءً، وقرىء بسكون الزاي وهو ما يستهزأ به.

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بِـئَايِـٰتِ رَبّهِ } وهو القرآنُ العظيم { فَأَعْرَضَ عَنْهَا } ولم يتدبرها ولم يتذكرْ بها، وهذا السبكُ وإن كان مدلولُه الوضعيُّ نفيَ الأظلمية من غير تعرّضٍ لنفي المساواة في الظلم إلا أن مفهومَه العُرْفيَّ أنه أظلمُ من كل ظالم، وبناءُ الأظلمية على ما في حيز الصلة من الإعراض عن القرآن للإشعار بأن ظلمَ من يجادل فيه ويتخذُه هزواً خارجٌ عن الحد { وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي عملَه من الكفر والمعاصي التي من جملتها ما ذكر من المجادلة بالباطل والاستهزاءِ بالحق ولم يتفكر في عاقبتها { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أغطيةً كثيرة جمع كِنان، وهو تعليلٌ لإعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوعٌ على قلوبهم { أَن يَفْقَهُوهُ } مفعولٌ لما دل عليه الكلام أي منعناهم أن يقفوا على كُنهه، أو مفعولٌ له أي كراهةَ أن يفقهوه { وَفِي آذَانِهِمْ } أي جعلنا فيها { وِقْراً } ثِقَلاً يمنعهم من استماعه { وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُواْ إِذاً أَبَداً } أي فلن يكون منهم اهتداءٌ البتةَ مدةَ التكليف، وإذن جزاءٌ للشرط وجوابٌ عن سؤال النبـي عليه الصلاة والسلام المدلولِ عليه بكمال عنايتِه بإسلامهم، كأنه قال عليه الصلاة والسلام: " مالي لا أدعوهم؟ " فقيل: إن تدعهم الخ، وجمعُ الضميرِ الراجع إلى الموصول في هذه المواضع الخمسة باعتبار معناه كما أن إفراده في المواطن الخمسة المتقدمة باعتبار لفظِه.