الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } * { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } * { وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً }

{ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ } وقرىء بالياء التحتانية { فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ } يقدِرون على نصره بدفع الإهلاكِ أو على رد المهلِك أو الإتيانِ بمثله، وجمعُ الضميرِ باعتبار المعنى كما في قوله عز وعلا:يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ } [آل عمران: 13] { مِن دُونِ ٱللَّهِ } فإنه القادرُ على ذلك وحده { وَمَا كَانَ } في نفسه { مُنْتَصِراً } ممتنعاً بقوته عن انتقامه سبحانه.

{ هُنَالِكَ } في ذلك المقامِ وفي تلك الحال { ٱلْوَلَـٰيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقّ } أي النُصرة له وحده لا يقدِر عليها أحدٌ فهو تقريرٌ لما قبله، أو ينصُر فيها أولياءَه من المؤمنين على الكفرة كما نصر ـ بما فعل بالكافر ـ أخاه المؤمنَ، ويعضُده قوله تعالى: { هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا } أي لأوليائه، وقرىء الوِلاية بكسر الواو ومعناها الملكُ والسلطانُ له عز وجل لا يُغلَب ولا يُمتَنع منه أو لا يُعبد غيرُه كقوله تعالى:وَإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } [العنكبوت: 65] فيكون تنبـيهاً على أن قوله: يا ليتني لم أشرِك الخ، كان عن اضطرار وجزَعٍ عمّا دهاه على أسلوب قوله تعالى:ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [يونس: 91] وقيل: هنالك إشارةٌ إلى الآخرة كقوله تعالى:لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16] وقرىء برفع الحقِّ على أنه صفةٌ للولاية وبنصبه على أنه مصدرٌ مؤكد، وقرىء عقُباً بضم القاف وعُقْبى كرُجعى والكلُّ بمعنى العاقبة.

{ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي واذكر لهم ما يُشبهها في زَهْرتها ونَضارتها وسرعةِ زوالها لئلا يطمئنوا بها ولا يعكُفوا عليها ولا يَضرِبوا عن الآخرة صفحاً بالمرة، أو بـيِّنْ لهم صفتَها العجيبة التي هي في الغرابة كالمثَل { كَمَاء } استئنافٌ لبـيان المثَل أي هي كماء { أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاء } ويجوز كونُه مفعولاً ثانياً لاضْربْ على أنه بمعنى صيّر { فَٱخْتَلَطَ بِهِ } اشتبك بسببه { نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } فالتفّ وخالط بعضه بعضاً من كثرته وتكاثفه، أو نجَع الماءُ في النبات حتى روِيَ ورفّ، فمقتضى الظاهرِ حينئذ فاختلط بنبات الأرض، وإيثارُ ما عليه النظمُ الكريمُ عليه للمبالغة في الكثرة فإن كلاًّ من المختلِطَين موصوفٌ بصفة صاحبِه { فَأَصْبَحَ } ذلك النباتُ الملتفُّ إثرَ بهجتها ورفيفِها { هَشِيمًا } مهشوماً مكسوراً { تَذْرُوهُ ٱلرّياحُ } تفرّقه، وقرىء تُذْريه من أذراه وتذروه الريحُ، وليس المشبَّهُ به نفسَ الماء بل هو الهيئةُ المنتزَعةُ من الجملة، وهي حالُ النبات المُنبَتِ بالماء، يكون أخضرَ وارفاً ثم هشيماً تطيِّره الرياحُ كأن لم يغْنَ بالأمس { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء } من الأشياء التي من جملتها الإنشاءُ والإفناءُ { مُّقْتَدِرًا } قادراً على الكمال.