الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } * { وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }

{ قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } أي بالزمان الذي لبثوا فيه. { لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْض } أي ما غاب فيهما وخفيَ من أحوال أهلِهما، واللامُ للاختصاص العلميِّ دون التكوينيِّ فإنه غيرُ مختص بالغيب { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } دلّ بصيغة التعجبِ على أن شأنَ علمِه سبحانه بالمبصَرات والمسموعاتِ خارجٌ عما عليه إدراكُ المدرِكين لا يحجُبه شيءٌ ولا يحول دونه حائلٌ ولا يتفاوت بالنسبة إليه اللطيفُ والكثيفُ والصغيرُ والكبـيرُ والخفيُّ والجليُّ، والهاءُ ضميرُ الجلالة، ومحلُّه الرفعُ على الفاعلية والباء مَزيدةٌ عند سيبويهِ وكان أصله أبصَرَ أي صار ذا بَصَر، ثم نقل إلى صيغة الأمرِ للإنشاء فبرز الضميرُ لعدم لياقةِ الضيغة له أو لزيادة الباء كما في كفى به، والنصبُ على المفعولية عند الأخفشِ والفاعلُ ضميرُ المأمورِ وهو كلُّ أحد، والباءُ مزيدة إن كانت الهمزةُ للتعدية، ومتعدّية إن كانت للصيرورة، ولعل تقديمَ أمرِ إبصارِه تعالى لما أن الذي نحن بصدده من قبـيل المبصَرات { مَّا لَهُم } لأهل السمواتِ والأرض { مِن دُونِهِ } تعالى { مِن وَلِىّ } يتولى أمورَهم وينصُرهم استقلالاً { وَلاَ يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ } في قضائه أو في علم الغيب { أَحَدًا } منهم ولا يُجعل له فيه مدخلاً وهو كما ترى أبلغُ في نفي الشريكِ من أن يقال: من ولي ولا شريكٍ، وقرىء على صيغة نهي الحاضرِ على أن الخطابَ لكل أحدٍ.

ولما دل انتظامُ القرآنِ الكريم لقصة أصحابِ الكهف من حيث إنهم بالنسبة إلى النبـي صلى الله عليه وسلم من المغيبات على أنه وحيٌ معجزٌ أمره عليه السلام بالمداومة على دراسته فقال: { وَٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِن كِتَـٰبِ رَبّكَ } ولا تسمَعْ لقولهم: ائتِ بقرآن غيرِ هذا أو بدِّلْه { لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ } لا قادرَ على تبديله وتغيـيره غيرُه { وَلَن تَجِدَ } أبدَ الدهر وإن بالغتَ في الطلب { مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا } ملجأً تعدل إليه عند إلمام مُلِمّة.

{ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } احبِسها وثبِّتها مصاحِبةً { مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ } أي دائبـين على الدعاء في جميع الأوقاتِ، وقيل: في طرفي النهار، وقرىء بالغُدوة على أن إدخال اللام عليها وهي علمٌ في الأغلب على تأويل التنكيرِ بهم، والمرادُ بهم فقراءُ المؤمنين مثلُ صُهيبٍ وعمارٍ وخبابٍ ونحوِهم رضي الله عنهم، وقيل: أصحابُ الصُّفَّة وكانوا نحو سبعِمائة رجل، قيل: إنه قال قومٌ من رؤساء الكفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نحِّ هؤلاء المواليَ الذين كأن ريحَهم ريحُ الضأن حتى نجالسَك كما قال قومُ نوحٍ عليه السلام: { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } فنزلت. والتعبـيرُ عنهم بالموصول لتعليل الأمر بما في حيز الصلة من الخَصلة الداعيةِ إلى إدامة الصحبة { يُرِيدُونَ } بدعائهم ذلك { وَجْهَهُ } حالٌ من المستكنِّ في يدْعون أي مريدين لرضاه تعالى وطاعته.

السابقالتالي
2