الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } * { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً }

{ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي قويناها حتى اقتحموا مضايقَ الصبر على هجر الأهلِ والأوطانِ والنعيم والإخوانِ، واجترأوا على الصدْع بالحق من غير خوف، وحذِروا الردَّ على دقيانوسَ الجبار { إِذْ قَامُواْ } منصوبٌ بربطنا والمرادُ بقيامهم انتصابُهم لإظهار شعارِ الدين، قال مجاهد: خرجوا من المدينة فاجتمعوا على غير ميعادٍ، فقال أكبرُهم: إني لأجد في نفسي شيئاً أن ربـي ربُّ السمواتِ والأرض، فقالوا: نحن أيضاً كذلك فقاموا جميعاً { فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْض } ضمّنوا دعواهم ما يحقق فحواها ويقضي بمقتضاها فإن ربوبـيتَه عز وجل لهما تقتضي ربوبـيتَه لما فيهما أيَّ اقتضاءٍ، وقيل: المراد قيامُهم بـين يدي الجبارِ من غير مبالاةٍ به حين عاتبهم على ترك عبادةِ الأصنام، فحينئذ يكون ما سيأتي من قوله تعالى: { هَـؤُلاء } الخ، منقطعاً عما قبله صادراً عنهم بعد خروجِهم من عنده { لَن نَّدْعُوَاْ } لن نعبدَ أبداً { مِن دُونِهِ إِلـٰهاً } معبوداً آخرَ لا استقلالاً ولا اشتراكاً، والعدولُ عن أن يقال: ربًّا للتنصيص على رد المخالفين حيث كانوا يسمون أصنامَهم آلهةً وللإشعار بأن مدارَ العبادة وصفُ الألوهية وللإيذان بأن ربوبـيتَه تعالى بطريق الألوهيةِ لا بطريق المالكية المجازية { لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } أي قولاً ذا شططٍ أي تجاوزَ عن الحد أو قولاً هو عينُ الشطط، على أنه وُصفَ بالمصدر مبالغةً ثم اقتُصر على الوصف مبالغةً على مبالغة، وحيث كانت العبادةُ مستلزِمةً للقول لما أنها لا تَعرَى عن الاعتراف بألوهية المعبودِ والتضرّعِ إليه قيل: لقد قلنا، وإذاً جوابٌ وجزاءٌ أي لو دعَونا من دونه إلٰهاً والله لقد قلنا قولاً خارجاً عن حد العقولِ مُفْرِطاً في الظلم.

{ هَـؤُلاء } هو مبتدأ وفي اسم الإشارةِ تحقيرٌ لهم { قَوْمُنَا } عطفُ بـيانٍ له { ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً } خبرُه وفيه معنى الإنكار { لَّوْلاَ يَأْتُونَ } تخصيصٌ فيه معنى الإنكارِ والتعجيزِ أي هلا يأتون { عَلَيْهِمْ } على ألوهيتهم أو على صحة اتخاذِهم لها آلهةً { بِسُلْطَـٰنٍ بَيّنٍ } بحجة ظاهرةِ الدلالةِ على مُدّعاهم وهو تبكيتٌ لهم وإلقامُ حجرٍ { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } بنسبة الشريكِ إليه تعالى عن ذلك علواً كبـيراً، والمعنى أنه أظلمُ من كل ظالمٍ، وإن كان سبكُ النظمِ على إنكار الأظلميةِ من غير تعرضٍ لإنكار المساواة كما مر تحقيقه في سورة هود.