الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } * { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } * { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } * { ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً } * { قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً }

{ قُلْ } لهم أولاً من قِبلنا تبـيـيناً للحكمة وتحقيقاً للحق المُزيحِ للرَّيب { لَّوْ كَانَ } أي لو وجد واستقر { فِى ٱلأَرْضِ } بدل البشر { مَلَـٰئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ } قارّين فيها من غير أن يعرُجوا في السماء ويعلموا ما يجب أن يُعلم { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ ٱلسَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً } يهديهم إلى الحق ويُرشِدُهم إلى الخير لتمَكُّنهم من الاجتماع والتلقي منه، وأما عامةُ البشر فهم بمعزل من استحقاق المفاوضةِ الملكية فكيف لا وهي منوطةٌ بالتناسب والتجانس، فبعثُ الملكِ إليهم مزاحِمٌ للحكمة التي عليها مبنى التكوينِ والتشريع، وإنما يُبعث الملَك من بـينهم إلى الخواصّ المختصين بالنفوس الزكية المؤيَّدين بالقوة القُدسية المتعلقين بكِلا العالَمَين الروحاني والجُسماني ليتلقَّوا من جانب ويُلْقوا إلى جانب، وقوله تعالى: { مَلَكًا } يحتمل أن يكون حالاً من رسولاً وأن يكون موصوفاً به وكذلك بشراً في قوله تعالى:أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً } [الإسراء، الآية 94] والأولُ أولى.

{ قُلْ } لهم ثانياً من جهتك بعد ما قلت لهم من قِبلنا ما قلتَ وبـينتَ لهم ما تقضيه الحكمةُ في البعثة ولم يرفعوا إليه رأساً { كَفَىٰ بِٱللَّهِ } وحده { شَهِيداً } على أني أدّيتُ ما عليّ من مواجب الرسالةِ أكملَ أداءٍ وأنكم فعلتم ما فعلتم من التكذيب والعِناد، وتوجيهُ الشهادةِ إلى كونه عليه السلام رسولاً بإظهار المعجزةِ على وفق دعواه كما اختير لا يساعده قوله تعالى: { بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } وما بعده من التعليل، وإنما لم يقل: بـيننا تحقيقاً للمفارقة وإبانةً للمباينة، وشهيداً إما حالٌ أو تميـيزٌ { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ } من الرسل والمرسَلِ إليهم { خَبِيرَا بَصِيرًا } محيطاً بظواهر أحوالِهم وبواطنها فيجازيهم على ذلك وهو تعليلٌ للكفاية، وفيه تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديدٌ للكفار.

{ وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ } كلامٌ مبتدأٌ يفصل ما أشار إليه الكلامُ السابق من مجازاة العبادِ إشارةً إجماليةً، أي من يهدِه الله إلى الحق بما جاء من قبله من الهدى { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } إليه وإلى ما يؤدّي إليه من الثواب أو المهتدِ إلى كل مطلوب { وَمَن يُضْلِل } أي يخلُقْ فيه الضلالَ بسوء اختيارِه كهؤلاء المعاندين { فَلَن تَجِدَ لَهُمْ } أوثر ضميرُ الجماعة اعتباراً لمعنى (مَنْ) غِبّ ما أوثر في مقابله الإفرادُ نظراً إلى لفظها تلويحاً بوَحدة طريقِ الحقِّ وقلةِ سالكيه وتعددِ سبلِ الضلال وكثرةِ الضلال { أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ } من دون الله تعالى أي أنصاراً يهدونهم إلى طريق الحقِّ أو إلى طريق يوصلهم إلى مطالبهم الدنيويةِ والأخروية، أو إلى طريق النجاةِ من العذاب الذي يستدعيه ضلالُهم، على معنى لن تجدَ لأحد منهم وليًّا على ما تقتضيه قضيةُ مقابلةِ الجمعِ بالجمع من انقسام الآحادِ إلى الآحاد { وَنَحْشُرُهُمْ } التفاتٌ من الغَيبة إلى التكلم إيذاناً بكمال الاعتناءِ بأمر الحشرِ { يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } على وجوههم أو مشياً، فقد روي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يمشون على وجوههم؟ قال:

السابقالتالي
2