الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } * { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } * { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } * { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً }

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا } كررنا وردّدنا على أنحاءٍ مختلفةٍ توجب زيادةَ تقريرٍ وبـيان ووَكادةِ رسوخٍ واطمئنان { لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ } المنعوتِ بما ذكر من النعوت الفاضلة { مِن كُلّ مَثَلٍ } من كل معنى بديعٍ هو الحسنُ والغرابةُ واستجلابُ النفسِ كالمَثَل ليتلقَّوْه بالقبول { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ } أوثر الإظهارُ على الإضمار تأكيداً وتوضيحاً { إِلاَّ كُفُورًا } أي إلا جُحوداً، وإنما صح الاستثناءُ من الموجبُ مع أنه لا يصِح ضربتُ إلا زيداً لأنه متأوّل بالنفي كأنه قيل: ما قَبِل أكثرُهم إلا كفوراً، وفيه من المبالغة ما ليس في أبَوْا الإيمانَ لأن فيه دِلالةً على أنهم لم يرضَوا بخَصلة سوى الكفورِ من الإيمان والتوقفِ في الأمر ونحو ذلك وأنهم بالغوا في عدم الرضا حتى بلغوا مرتبةَ الإباءِ.

{ وَقَالُواْ } عند ظهور عجزهم ووضوحِ مغلوبـيّتِهم بالإعجاز التنزيليّ وغيرِه من المعجزات الباهرةِ متعللين بما لا يمكن في العادة وجودُه ولا تقتضي الحكمةُ وقوعَه من الأمور كما هو دَيدَنُ المبهوتِ المحجوج { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ } وقرىء بالتشديد { لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ } أرضِ مكة { يَنْبُوعًا } عيناً لا ينضُب ماؤُها، يفعولٌ من نبع الماءُ كيعْبوب من عبّ الماءَ إذا زحَر.

{ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ } أي بستانٌ تسترُ أشجارُه ما تحتها من العَرْصة { مّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجّرَ ٱلأَنْهَـٰرَ } أي تجريها بقوة { خِلَـٰلَهَا تَفْجِيرًا } كثيراً، والمرادُ إما إجراءُ الأنهارِ خلالها عند سقْيها أو إدامةُ إجرائِها كما ينبىء عنه الفاءُ لا ابتداؤه { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا } جمع كِسْفة كقطعة وقِطَع لفظاً ومعنى، وقرىء بالسكون كسِدْرة وسِدْر وهي حالٌ من السماء والكاف في كما في محل النصبِ على أنه صفةُ مصدرٍ محذوف أي إسقاطاً مماثلاً لما زعمتَ يعنُون بذلك قولَه تعالى:أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مّنَ ٱلسَّمَاء } [سبأ: 9].

{ أَوْ تَأْتِىَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلَـئِكَةِ قَبِيلاً } أي مقابلاً كالعشير والمعاشِر أو كفيلاً يشهد بصِحة ما تدعيه، وهو حالٌ من الجلالة وحالُ الملائكةِ محذوفةٌ لدِلالتها عليها أي والملائكةِ قُبَلأَ كما حذف الخبرُ في قوله: [الطويل]
[فمن يَكُ أمسى بالمدينة رَحْلُهُ]   فإني وقيّارٌ بها لغريبُ
أو جماعةً فيكون حالاً من الملائكة.