الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } * { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }

{ وَقُل رَّبّ أَدْخِلْنِى } أي القبرَ { مُدْخَلَ صِدْقٍ } أي إدخالاً مرضياً { وَأَخْرِجْنِى } أي منه عند البعثِ { مُخْرَجَ صِدْقٍ } أي إخراجاً مَرْضياً مَلْقيًّا بالكرامة، فهو تلقينٌ للدعاء بما وعده من البعث المقرونِ بالإقامة المعهودةِ التي لا كرامةَ فوقها، وقيل: المرادُ إدخالُ المدينةِ والإخراجُ من مكةَ، وتغيـيرُ ترتيبِ الوجودِ لكون الإدخالِ هو المقصدُ، وقيل: إدخالُه عليه السلام مكةَ ظاهراً عليها وإخراجُه منها آمناً من المشركين، وقيل: إدخالُه الغارَ وإخراجُه منه سالماً، وقيل: إدخالُه فيما حمله من أعباء الرسالةِ وإخراجُه منه مؤدياً حقَّه، وقيل: إدخالُه في كل ما يلابسه من مكان أو أمرٍ وإخراجُه منه، وقرىء مَدخل ومَخرج بالفتح على معنى أدخلني فأدخُلَ دخولاً وأخرجني فأخرُجَ خروجاً كقوله: [الطويل]
وعضةُ دهرٍ يا ابنَ مروانَ لم تدَع   من المال إلا مُسحَتٌ أو مجلِّفُ
أي لم تدَع فلم يبْقَ { وَٱجْعَل لّى مِن لَّدُنْكَ سُلْطَـٰناً نَّصِيرًا } حجةً تنصُرني على من يخالفني أو مُلكاً وعزاً ناصراً للإسلام مظهِراً له على الكفر، فأجيبت دعوتُه عليه السلام بقوله عز وعلا:وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة، الآية 67]أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [المجادلة، الآية 22]لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ } [التوبة، الآية 33]لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأَرْضِ } [النور، الآية 55].

{ وَقُلْ جَاء ٱلْحَقُّ } أي الإسلامُ والوحيُ الثابتُ الراسخ { وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ } أي ذهب وهلك الشركُ والكفرُ وتسويلاتُ الشيطان، من زهَق روحُه إذا خرج { إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ } كائناً ما كان { كَانَ زَهُوقًا } أي شأنُه أن يكون مضمحلاً غيرَ ثابتٍ وهو عِدةٌ كريمةٌ بإجابة الدعاءِ بالسلطان النصيرِ الذي لُقِّنه. عن ابن مسعود رضي الله عنه " أنه عليه السلام دخل مكةَ يوم الفتح وحول البـيت ثلاثُمائةٍ وستون صنماً فجعل ينكُت بمِخْصَرة كانت بـيده في أعينها واحداً واحداً ويقول: جاء الحقُ وزهق الباطلُ فينكبّ لوجهه حتى أَلقْى جميعَها، وبقيَ صنمُ خُزاعةَ فوق الكعبة وكان من صُفْر فقال: «يا عليُّ ارمِ به» فصعِد فرمىٰ به فكسره ".